|
|
||||||||||
الملتقى العام لكل القضايا المتفرقة وسائر الموضوعات التي لا تندرج تحت أي من التصنيفات الموجودة |
|
أدوات الموضوع |
24-05-2006, 03:44 PM | #1 | |||
عضـو مُـبـدع
|
السعادة { من روائع الشيخ على الطنطاوي رحمه الله }
السعادة ... للشيخ الأديب : علي الطنطاوي
كنت أقرأ في ترجمة ( كانت ) الفيلسوف الألماني الأشهر أنه كان لجاره ديك قد وضعه قبالة مكتبه ، فكلما عَمِدَ إلى شغله صاح الديك ، فأزعجه عن عمله ، وقطع عليه فكره. فلما ضاق به بعث خادمه ليشتريه ، ويذبحه ويطعمه من لحمه ، ودعا إلى ذلك صديقاً له ، وقعدا ينتظران الغداء ، ويحدِّثه عن هذا الديك ، وما كان يلقى منه من إزعاج ، وما وجده بعده من لذة وراحة ؛ ففكر في أمان ، واشتغل في هدوء ، فلم يقلقه صوته ، ولم يزعجه صياحه. ودخل الخادم بالطعام معتذراً أن الجار أبى أن يبيع ديكه ، فاشترى غيره من السوق ، فانتبه ( كانت) فإذا الديك لايزال يصيح ! . فكرت في هذا الفيلسوف العظيم فرأيته قد شَقِي بهذا الديك لأنه كان يصيح ، وسَعِدَ به وهو لايزال يصيح . . ,. ما تبدّل الواقع ، ما تبدّل إلا نفسه ، فنفسه هي التي أشقته لا الديك ، ونفسه في التي أسعدته ، وقلت : ما دامت السعادة في أيدينا فلماذا نطلبها من غيرنا ؟ . ومادامت قريبة منا فلماذا نبعدها عنّا ؛ إذ نمشي من غير طريقها ، ونلجها من غير بابها ؟ . . إننا نريد أن نذبح (الديك) لنستريح من صوته ، ولو ذبحناه لوجدنا في مكانه مائة ديك ؛ لأن الأرض مملوءة بالدِيَكة ، فلماذا لا نرفع الديكة من رؤوسنا إذا لم يمكن رفعها من الأرض ؟ لماذا لا نسدُّ آذاننا عنها إذا لم نقدر أن نسدّ أفواهها عنّا ؟ لماذا لا نجعل أهواءنا وفقَ ما في الوجود إذا لم نستطع أن نجعل كل مافي الوجود وفق أهوائنا؟ . . أنام في داري فلا توقظني عربات الشارع وهي تزلزل بسيرها الأرض ، ولا أصوات الباعة وهي ترعد في الجو ، ولا أبواق السيارات وهي تُسمع الموتى ، وتوقظني همسة في جو الدارضعيفة ، وخطوة على ثراها خفيفة ، فإذا نمت في الفندق لم يوقظني شيء وراء باب غرفتي ، فإذا كان نومي في القطار لم يزعجني عن منامي حديث جيراني إلى جنبي ، ولا صوت القطار وهو يهتز بي ؛ فكيف احتملت هنا مالم أكن أحتمله هناك ؟ وآلمني هناك مالم يؤلمني هنا ؟ . . ذلك لأن الحسّ كالنور ، إن أطلقته أضاء لك ما حولك فرأيت ما تحب وما تكره ، وإن حجبته حجب الأشياء عنك ، فأنت لا تسمع أصوات الشارع مع أنها أشد وأقوى ، وتسمع همس الدار وهو أضعف وأخْفَت ؛ لأنك وجَّهت إلى هذا حسَّك ، وأدخلته نفسك ؛ فسمعته على خُفُوته كما ترى في الضياء صغائر الأشياء ، وأغْفَلتَ ذلك وأخرجته من نفسك ، فلم تَسْمَعه على شدته ، وخَفِي عنك كما تختفي في الظلام عظائمُ الموجودات. . . فلماذا لا تصرف حسّك عن كل مكروه ؟ إنه ليس كل ألم يدخل قلبك ، ولكن ما أدخلته أنت برضاك ، وقَبِلتَه باختيارك ، كما يُدْخِل الملك العدوّ قلعته بثغرة يتركها في سورها ، فلماذا لا نقوِّي نفوسنا حتى نتخذ منها سوراً دون الآلام ؟ .. المصدر: نفساني
|
|||
|
24-05-2006, 03:48 PM | #2 |
عضـو مُـبـدع
|
إني أسمعكم تتهامسون، تقولون : "فلسفة وأوهام" ؟ نعم ، إنها فلسفة ، ولكن ليست كل فلسفة هذيانا ، وإنها أوهام ، ولكن الحياة كلها أوهام تزيد وتنقص ، ونسعد بها ونشقى ، أو شيء كالأوهام . . . يحمل الرجلان المتكافئان في القوة الحمل الواحد ، فيشكو هذا ويتذمر ؛ فكأنه حمل حملين ، ويضحك هذا ويغني ؛ فكأنه ما حمل شيئًا. . ويمرض الرجلان المتعادلان في الجسم المرض الواحد ، فيتشاءم هذا ، ويخاف ، ويتصور الموت ، فيكون مع المرض على نفسه ؛ فلا ينجو منه ، ويصبر هذا ويتفاءل ويتخيل الصحة ؛ فتسرع إليه ويسرع إليها . . ويُحكم على الرجلين بالموت ؛ فيجزع هذا ، ويفزع ؛ فيموت ألف مرة من قبل الممات ، ويملك ذلك أمره ويُحْكِم فكره ، فإذا لم تُنْجه من الموت حيلته لم يقتله قبل الموت وَهْمُهُ. . . وهذا ( بسمارك ) رجل الدم والحديد ، وعبقري الحرب والسِلْم ، لم يكن يصبر عن التدخين دقيقةً واحدة ، وكان لا يفتأ يوقد الدّخينة من الدخينة نهاره كله فإذا افتقدها خلَّ فكرُه ، وساء تدبيره. . وكان يوماً في حرب ، فنظر فلم يجد معه إلا دخينة واحدة ، لم يصل إلى غيرها ، فأخَّرها إلى اللحظة التي يشتد عليه فيها الضيق ويعظم الهم ، وبقي أسبوعاً كاملاً من غير دخان ، صابراً عنه أملاً بهذه الدخينة ، فلما رأى ذلك ترك التدخين ، وانصرف عنه ؛ لأنه أبى أن تكون سعادته مرهونة بلفافة تبغ واحدة . . . وهذا العلامة المؤرخ الشيخ الخضري أصيب في أواخر عمره بِتَوَهُّم أن في أمعائه ثعباناً ،فراجع الأطباء ، وسأل الحكماء ؛ فكانوا يدارون الضحك حياءً منه ، ويخبرونه أن الأمعاء قد يسكنها الدود ، ولكن لا تقطنها الثعابين ، فلا يصدّق ، حتى وصل إلى طبيب حاذق بالطب ، بصير بالنفسيات ، قد سَمِع بقصته ، فسقاه مُسَهِّلاً وأدخله المستراح ، وكان وضع له ثعبانًا فلما رآه أشرق وجهه ، ونشط جسمه ، وأحس بالعافية ، ونزل يقفز قفزًا ، وكان قد صعد متحاملاً على نفسه يلهث إعياءًا ، ويئن ويتوجع ، ولم يمرض بعد ذلك أبداً . . ما شَفِي الشيخ لأنَّ ثعباناً كان في بطنه ونَزَل ، بل لأن ثعباناً كان في رأسه وطار؛ لأنه أيقظ قوى نفسه التي كانت نائمة ، وإن في النفس الإنسانية لَقُوىً إذا عرفتم كيف تفيدون منها صنعت لكم العجائب . |
|
24-05-2006, 03:49 PM | #3 |
عضـو مُـبـدع
|
تنام هذه القوى ، فيوقظها الخوف أو الفرح ؛ أَلَمْ يتفق لواحد منكم أن أصبح مريضاً خامل الجسد ، وَاهِيَ العزم لا يستطيع أن ينقلب من جنب إلى جنب ، فرأى حيَّة تُقبل عليه ، ولم يَجِدْ مَنْ يدفعها عنه ، فوثب من الفراش وَثْبًا ، كأنه لم يكن المريض الواهن الجسم ؟ أو رجع إلى داره العصر وهو ساغب لاغب ، قد هَدَّه الجوع والتعب ، لا يبتغي إلا كُرْسِيَّـاً يطرح نفسه عليه ، فوجد برقية من حبيب له أنه قادم الساعة من سفره ، أو كتاباً مستعجلاً من الوزير يدعوه إليه؛ ليرقي درجته ، فأحسَّ الخفة والشبع ، وعدا عَدْواً إلى المحطة ، أو إلى مقر الوزير ؟
. . هذه القوى هي منبع السعادة تتفجر منها كما يتفجر الماء من الصخر نقيًّا عذبًا ، فتتركونه وتستقون من الغدران الآسنة ، والسواقي العكرة ! . . يا أيها القراء : إنكم أغنياء ، ولكنكم لا تعرفون مقدار الثروة التي تملكونها ، فترمونها ؛ زهداً فيها ، واحتقاراً لها . . يصاب أحدكم بصداع أو مغص ، أو بوجع ضرس ، فيرى الدنيا سوداء مظلمة ؛ فلماذا لم يرها لما كان صحيحاً بيضاء مشرقة ؟ ويُحْمَى عن الطعام ويمنع منه ، فيشتهي لقمة الخبز ومضغة اللحم ، ويحسد من يأكلها ؛ فلماذا لم يعرف لها لذتها قبل المرض ؟ . . لماذا لا تعرفون النعم إلا عند فقدها ؟ لماذا يبكي الشيخ على شبابه ، ولايضحك الشاب لصباه ؟ لماذا لا نرى السعادة إلا إذا ابتعدت عنَّا ، ولا نُبْصِرها إلا غارقة في ظلام الماضي ، أو مُتَّشِحةً بضباب المستقبل ؟ . كل يبكي ماضيه ، ويحن إليه ؛ فلماذا لا نفكر في الحاضر قبل أن يصير ماضيًا ؟ .. |
|
24-05-2006, 03:50 PM | #4 |
عضـو مُـبـدع
|
أيها السادة والسيدات :
. إنا نحسب الغنى بالمال وحده ، وما المال وحده ؟ ألا تعرفون قصة الملك المريض الذي كان يُؤتى بأطايب الطعام ، فلا يستطيع أن يأكل منها شيئًا ، لمَّا نَظَر من شباكه إلى البستاني وهو يأكل الخبز الأسمر بالزيتون الأسود ، يدفع اللقمة في فمه ، ويتناول الثانية بيده ، ويأخذ الثالثة بعينه ، فتمنى أن يجد مثل هذه الشهية ويكون بستانياً؟ . فلماذا لا تُقَدِّرون ثمن الصحة ؟ أمَا للصحة ثمن ؟ من يرضى منكم أن ينزل عن بصره ويأخذ مائة ألف دولار؟ من يبيع قطعة من أنفه بأموال الشربتلي ؟ . أما تعرفون قصة الرجل الذي ضلّ في الصحراء ، وكاد يهلك جوعًا وعطشًا ، لما رأى غدير ماء ، وإلى جنبه كيس من الجلد ، فشرب من الغدير ، وفتح الكيس يأمل أن يجد فيه تمرًا أو خبزًا يابسًا ، فلما رأى ما فيه ، ارتد يأسًا ، وسقط إعياءً . لقد رآه مملوءً بالذهب ! . وذاك الذي لقي مثل ليلة القدر ، فزعموا أنه سأل ربه أن يحوّل كل ما مسّته يده ذهبًا ، ومسّ الحجر فصار ذهبًا ؛ فكاد يجنّ من فرحته ؛ لاستجابة دعوته ، ومشى إلى بيته ما تسعه الدنيا ، وعمد إلى طعامه ؛ ليأكل ، فمس الطعام ، فصار ذهبًا وبقي جائعًا ، وأقبلت ابنته تواسيه ، فعانقها فصارت ذهبًا ، فقعد يبكي يسأل ربه أن يعيد إليه بنته وسُفرته وأن يبعد عنه الذهب ! . وروتشلد الذي دخل خزانة ماله الهائلة ، فانصفق عليه بابها ، فمات غريقًا في بحر من الذهب . . . يا سادة : لماذا تطلبون الذهب وأنتم تملكون ذهبًا كثيرًا ؟ أليس البصر من ذهب ، والصحة من ذهب ، والوقت من ذهب ؛ فلماذا لا نستفيد من أوقاتنا ؟ لماذا لا نعرف قيمة الحياة ؟ . .. |
|
24-05-2006, 03:50 PM | #5 |
عضـو مُـبـدع
|
كلفتني المجلة بهذا الفصل من شهر ، فما زلت أماطل به ، والوقت يمر ، أيامه ساعات ، وساعاته دقائق ، لا أشعر بها ، ولا أنتفع منها ، فكأنها صناديق ضخمة خالية ، حتى إذا دنا الموعد ولم يبق إلا يوم واحد ، أقبلت على الوقت أنتفع به ، فكانت الدقيقة ساعة ، والساعة يومًا ، فكأنها العلب الصغيرة المترعة جوهرًا وتبرًا ، واستفدت من كل لحظة حتى لقد كتبت أكثره في محطة ( باب اللوق ) وأنا انتظر الترام في زحمة الناس ، وتدافع الركاب ، فكانت لحظة أبرك عليَّ من تلك الأيام كلها ، وأسفت على أمثالها ، فلو أني فكرت كلما وقفت أنتظر الترام بشيء أكتبه ، وأنا أقف كل يوم أكثر من ساعة متفرِّقة أجزاؤها – لربحت شيئًا كثيرًا .
. ولقد كان الصديق الجليل الأستاذ الشيخ بهجة البيطار يتردد من سنوات بين دمشق وبيروت ، يعلم في كلية المقاصد وثانوية البنات ، فكان يتسلى في القطار بالنظر في كتاب ( قواعد التحديث ) للإمام القاسمي، فكان من ذلك تصحيحاته وتعليقاته المطبوعة مع الكتاب . . والعلامة ابن عابدين كان يطالع دائمًا ، حتى إنه إذا قام إلى الوضوء أو قعد للأكل أمر من يتلو عليه شيئًا من العلم فألّف ( الحاشية ). . والسرخسي أَمْلَى وهو محبوس في الجب ، كتابه ( المبسوط ) أَجَلّ كتب الفقه في الدنيا . . . وأنا أعجب ممن يشكو ضيق الوقت ، وهل يُضَيِّق الوقت إلا الغفلة أو الفوضى ؛ انظروا كم يقرأ الطالب ليلة الامتحان ، تروا أنه لو قرأ مثله – لا أقول كل ليلة ، بل كل أسبوع مرة – لكان عَلاَّمة الدنيا ، بل انظروا إلى هؤلاء الذين ألّفوا مئات الكتب كابن الجوزي والطبري والسيوطي ، والجاحظ ، بل خذوا كتاباً واحدًا كنهاية الأرب ، أو لسان العرب ، وانظروا ، هل يستطيع واحد منكم أن يصبر على قراءته كله ، ونسخه مرة واحدة بخطه ، فضلاً عن تأليف مثله من عنده ؟ . . |
|
24-05-2006, 03:51 PM | #6 |
عضـو مُـبـدع
|
والذهن البشري ، أليس ثروة ؟ أما له ثروة ؟ أما له ثمن ؟ فلماذا نشقى بالجنون ولا نسعد بالعقل ؟ لماذا لا نمكن للذهن أن يعمل ، ولو عمل لجاء بالمدهشات ؟ . . لا أذكر الفلاسفة والمخترعين ، ولكن أذكركم بشيء قريب منكم ، سهل عليكم هو الحفظ ، إنكم تسمعون قصة البخاري لما امتحنوه بمائة حديث خلطوا متونها وإسنادها ، فأعاد المائة بخطئها وصوابها ، والشافعي لمَّا كتب مجلس مالك بريقه على كفه وأعاده من حفظه ، والمعري لما سَمِع أرمنيين يتحاسبان بِلُغَتِهما ، فلما استشهداه أعاد كلامهما وهو لا يفهمه ، والأصمعي وحمَّاد الراوية وما كانا يحفظان من الأخبار والأشعار ، وأحمد وابن معين وما كانا يرويان من الأحاديث والآثار ، والمئات من أمثال هؤلاء ؛ فتعجبون ، ولو فكَّرتم في أنفسكم لرأيتم أنكم قادرون على مثل هذا ، ولكنكم لا تفعلون . . . انظروا كم يحفظ كل منكم من أسماء الناس ، والبلدان ، والصحف ، والمجلات ، والأغاني ، والنكات ، والمطاعم ، والمشارب ، وكم قصة يروي من قصص الناس التاريخ ، وكم يشغل من ذهنه ما يمر به كل يوم من المقروءات ، والمرئيات ، والمسموعات؛ فلو وضع مكان هذا الباطل علماً خالصاً ، لكان مثل هؤلاء الذين ذكرت . . . أعرف نادلاً كان في ( قهوة فاروق ) في الشام من عشرين سنة اسمه ( حلمي ) يدور على رواد القهوة وهم مئات يسألهم ماذا يطلبون : قهوة ، أو شايًا ، أو هاضوماً – كازوزة – أو ليمونًا ، والقهوة حلوة ومرة ، والشاي أحمر وأخضر ، والكازوزة أنواع ، ثم يقوم وسط القهوة ويردد هذه الطلبات جهراً في نَفَسٍ واحد ، ثم يجيء بها فما يخرم مما طلب أحد حرفاً ! |
|
24-05-2006, 03:51 PM | #7 |
عضـو مُـبـدع
|
. فيا سادة : إن الصحة والوقت والعقل ، كل ذلك مال ، وكل ذلك من أسباب السعادة لمن شاء أن يسعد . . وملاك الأمر كله ورأسه الإيمان ، الإيمان يشبع الجائع ، ويدفئ المقرور ، ويغني الفقير ، ويُسَلِّي المحزون ، ويُقوِّي الضعيف ، ويُسَخِّي الشحيح ، ويجعل للإنسان من وحشته أنسًا ، ومن خيبته نُجْحًا . . وأن تنظر إلى من هو دونك ، فإنك مهما قَلّ مُرَتّبك ، وساءت حالك أحسن من آلاف البشر ممن لا يقل عنك فهمًا ولا علمًا ، وحسبًا ونسبًا . . . وأنت أحسن عيشة من عبد الملك بن مروان ، وهارون الرشيد ، وقد كانا مَلِكَي الأرض. . فقد كان لعبد الملك ضرس منخورة تؤلمه حتى ما ينام منها الليل ، فلم يكن يجد طبيباً يحشوها ، ويلبسها الذهب ، وأنت تؤلمك ضرسك حتى يقوم في خدمتك الطبيب . . وكان الرشيد يسهر على الشموع ، ويركب الدواب والمحامل وأنت تسهر على الكهرباء ، وتركب السيارة ، وكانا يرحلان من دمشق إلى مكة في شهر وأنت ترحل في أيام أو ساعات . . . . فيا أيها القراء : إنكم سعــداء ولكن لا تدرون ، سعداء إن عرفتم قدر النعم التي تستمتعون بها ، سعداء إن عرفتم نفوسكم وانتفعتم بالمخزون من قواها ، سعداء إن سددتم آذانكم عن صوت الديك [1]، ولم تطلبوا المستحيل ، فتحاولوا سدّ فمه عنكم ، سعداء إن طلبتم السعادة من أنفسكم لا مما حولكم . . سعداء إن كانت أفكاركم دائماً مع الله ، فشكرتم كل نعمة ، وصبرتم على كل بَلِيَّة ، فكنتم رابحين في الحالين ، ناجحين في الحياتين . . والسلام عليكم ورحمة الله . . ( نُشرت المقالة في سنة 1948 م ، وهي في كتاب (صور وخواطر) للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله ) . [1] يشير إلى قصة ديك الفيلسوف ( كانت ) الماضية . |
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
|
|