|
|
||||||||||
ملتقى الأدب للقصة القصيرة والقصيدة باللغتين الفصحى والنبطي . |
|
أدوات الموضوع |
25-12-2008, 01:14 PM | #1 | |||
عضـو مُـبـدع
|
الطاعون .
إنها قصة يختلط فيها الواقع مع الخيال ... قال فيها القدر كلمته ... فأوجد هؤلاء الاشخاص . تاهوا نوعاً ما . و لكنهم لم يضيعوا و لم يذوبوا ..بل بقوا اكثر أنتماء الى اصلهم .
ـــــــــــــــــ ... لم يذق طعم النوم .. و راح يتقلبُ في فراشه علّه يجد هدىً ، عما يريد المديرالعام من استدعائه ... و توالتِ الكوابيسُ الجاثمةُ على صدرهِ بكلكلها ... و تساءل في قرارةِ نفسه : تُرى ما يريده مني هذا المدير ؟.. و في الصباح توجه كعادته إلى مقر عملهِ . و لكن هذه المرة كان غير منشرح النفس .. هاله أن وجد رئيسة القسم تنتظره . فجن جنونه ،و قال في قرارة نفسه ، لابد أن ّ هناك أمراً ما سيحدث ... فتقدم من السيدة رئيسة القسم و صافحها ، متبادلاً واياها أطراف الحديث مع تحية الصباح ... بعدها قالت له : هيا بنا عزيزي (علي) فالمدير العام في انتظارنا ... حاول أن يعرف منها سبب هذا الاستدعاء .. و لكنها خاطبته : ستعرف كل شيءٍ في أوانه ... ثم ساد الصمت ... و في ديوان مكتب المدير العام ، طلبت السكرتيرة منهما التريث ريثما ينهي المدير العام من مكالمة هاتفية .. و ما هي إلا لحظات و طلبت منهما : انه في انتظاركما ... و دخلا .. و بعد إلقاء التحية .. بدأ المدير العام يتكلم ...فأحس (علي) أن الكلام يعنيه .. حيث مما جاء في كلام المدير العام : ... لابد من الاعتناء بالمظهر ،و كذلك الهندام .. أليس كذلك أيها المهندس علي؟.. و ساد الصمت لحظات .. ثم استطرد : انظر يا (علي) فقد قررنا الاستغناء عنك ، فلا داعي لوجودك بمركزنا هذا .. فقال (علي) : كما تريد سيدي .. فاخذت رئيسة القسم الكلمة ، و قالت : ألا تريد أن تعرف ، لماذا هذا الاستغناء ؟.. ـ لا يهمّ يا سيدتي ... (قالها على مضض) .. ـ قال المدير العام : عزيزي (علي ).. لقد تم قبول اختيارك لإدارة مؤسسة علمية في (؟) في اطار نقل التكنولوجيا و التبادل الثقافي و العلمي بين بلدنا و ذلك البلد ... فلم ينبس (علي) ببنت شفة لحظات معدودات .. ثم افاق ، و قال : الحمد لله ( بلسان عربي ) ... فالبلد الذي أختير لادارة مؤسسة علمية فيها . هي بلد اجداده ... يعود (علي ) بخياله الى ما حكاه له جده (حسين ) ... حيث اصبحت تلك القصة منقوشة في الذاكرة نقشًا .. ... فقد مرت على (حسين ) فترات متعاقبة متقاربة ممسكةً بتلابيب بعضها، يتجرَّعها كأسا علقما يفيض ويستفيض حتى يخالَه بلغ حدا لا بعدَه حيزٌ من آلامٍ .. يتذكرها لحظات ودقائق أليمة ومؤلمة منقوشة في الذاكرة لا تبرحها، مغروزة في الخاصرة كأنها موسى حادة تحركها الحوادث والأحداث كلما ظن أن الجرح برأ والتأم، يتذكر الطاعون الذي ضرب بلده في أواخر العشرينات و بداية الثلاثينات من القرن الماضي .. و يتذكر كيف كان في بيت كان ميسورا يتراوح بين الغنى والثراء، بين السؤدد والجاه، بين الهناءة والرضا، بين الأمن والسكينة ...لكن الدهر لم يمهله قليلاً مع هناءة العيش و رغده .. حيث بدأ طوفان الطاعون يقترب من قريته ... و وصل الطاعون .. رأى (حسين) أفراد عائلته يدعون إلا الموت دعّا .. تموت زوجته فتُلحق بولديهما .. رأى الطاعون يلسع كالعقارب تَغرز شوكَها وتُفرز سمَّها ... فيأخذ أبواه و أعمامه و عماته .. فلم يبق من العائلة إلاّ (حسين) .. و إبنة عمٍّ له طفلة خرساء ذات خمسة عشر سنة .. ومع هول المنظر، وخوف المخطر ..قرر الرحيل عن قريته و الهروب بجلدته خشية أن يأتي عليه الطاعون .. ينظر إلى (فاطمة ) الخرساء ، فيشفق عليها .. و يأخذها معه رحمة بها . لانها اصبحت لا سند لها و لامعين من بعد الله إلا هو .. و ركب البحر و هو لا يلتفت وراءه خشية أن يرى قريته من عباب البحر فيضعف و يعود ... و ما هي إلا ليلة و ضحاها ، حتى وجد (حسين) نفسه بين قوم غير القوم الذين ألفهم ، تتبعه تلك الطفلة الخرساء .. لا تسأله عما يفعل ، و لا عما يبحث . خشية منه ، و كذلك لعدم نطقها .. و بعد ايامٍ أستقرّ في منظقة ما في البلد الذي هجر اليه . و تمر الايام .. ... يتبع المصدر: نفساني
|
|||
|
25-12-2008, 01:22 PM | #2 |
عضـو مُـبـدع
|
.../ ...
و تمر الأيام...ليجد (حسين ) نفسه قد رمت به الأقدارُ في بلد غير البلد الذي فيه درج، ومنه خرج ، مقطع سرته، ومجمع أسرته ، بلد أنشأته تربته، وغذاه هواؤه ورباه نسيمه، وحلت عنه التمائم فيه... بلد غريبٌ لا يرى فيه إلا زمهريرَ شتاءٍ سيلا عرما يُمزن و يُمطر في كل الفصول ، يتخلله رعدٌ وبرق وصيِّبٌ ينهمر ويدمِّر، يتحوَّل في لمح من بصر إلى برد قارس في شكل تركيبة عجيبة من الصقيع . يجلس (حسين ) حول الموقد .. و تمر الليالي ذوات العدد يفكر ما حاق به كلما أحس بظلم . يترأى له من بعيد هياكل الأموات التي عاشها في بلده الأصلي .. ثم يرنو إلى بنت عمه (فاطمة ) فلا يرى فيها إلا أشباه الأحياء،فقد حاق بها ضيم ظاهرا . إذ أخذ القدر عائلتها هي الأخرى، و كأنها تعرضت لغدرٍ أو خديعةٍ ، فما ذنبها ؟.. يرى فيها طفلة مسكينة ، تقوم بإدراك مبهم في دواخلها ، فلا تهدي السبيل ولا تؤنس ما حولها .. فلا آهات تطلقها ، و لا تبرم يعلو محياها . و يسير الزمن بطيئاً كدقات ساعة خشبية رتيبة و مملة ... و مع هذا فقد مرت ثلاثة أعوام . فإذا بـ (فاطمة ) الطفلة الخرساء صارت فتاة ذات الثمانية عشر سنة تفيض أنوثة و جمالاً .. و تبدأ معها رحلة أخرى من الشقاء و العذاب كانت تتظاهر بالود والصفاء، تصد الخطر حينما تتوجس خيفة من هذا وذاك، بقلب كسير معتصر، ولكنها تصبر تصابر في المواجهة ولا تنهزم، بعقل جاهل مشبع بالأساطير، ولكنها تدرك بالحدس المصائد وتحاذر، وبعقيدة غامضة كالخرافة، ولكنها راسخة في الصدر تقيها وتحميها عند كل مبادهة أو مخاطرة ،أو حيفٍ . فتثور و تستنفر و تصارع و تقارع دون توانٍ أو وجلٍ أو خورٍ ... و هكذا كان دأبها ، لدرجة انها أقبلت على الانتحار مرتين لتترك المجال لـ (حسين ) لحيا حياته . و لكنّ القدرَ أبى لها إلاّ ان تعيشَ. كل هذا و (حسين) يقارن ويمايز، ولو على سبيل الحدس والتخمين... و بعد ارهاصات اهتدى إلى أمر و هو الزواج منها ... و تزوجا ... و نظراً لعاهتها و عدم اطلاعها على الاسلام بالقدر الكافي ، و كان ايمانها اقرب ما يكون إلى الوثنية...إذ جعلت من زوجها "رباّ" لها .. فاحبته حب المرأة للرجل ، و أجلته إجلال العابد لمعبوده ... و تعلمت مهنة الخياطة ، و اصبحت تخيط الملابس لأهل البلدة ، حيث ساعدت زوجها على شظف العيش و قساوة الحياة . فانقلبت حياتهما من حال الى حال. عاشا خمس سنوات كزوجين متاحبين في صمتٍ .. اقل ما يقال عنهما أنهما يعيشان لا ليفكران ويتدبران ، بل كان حالهما كسائمة صامتة تسمى تعوُّدا وعادة حيوانا أعجمَ لا يبتئس ولا يستبشر... فتساءل (حسين) في قرارة نفسه : هل هناك مخرج من هذا الصمت و هل يبقى أبدياً ؟ ... فلا هو وجد هدىً ، و لا هو اهتدى إلى جوابٍ ..فلا يلبث أن يتمتم بلسانٍ لاهجٍ يتضرع به لخالقه ، وحوقلة متصلة لا تنقطع إلا بسنة من نوم عابرةً خاليةً من الأحلام. و تنتاب (فاطمة ) من حين لآخر نوبات عصبية و احتار زوجها في الامر ، و كيف السبيل الى معرفة عصبيتها ، فإنها لا تجيبه حتى و لو كانت ناطقة ، فما بالك بخرساء . و عاد مرة (حسين) الى المنزل على غير عادته .. فوجد المسكينة تريد إسقاط ما في الأحشاء . فهاله ما رأى .. فنهرها و انّبها على فعلتها .. فاشارت له ، أنها لا تريد زيادة عذابه و آلامه بطفل قد يكون أخرس مثلها ...فعانقها و بكي لاول مرة أمامها .. و أشار عليها : أياكِ أن تفكري مرة أخرى بهذا التفكير . وما هي إلا بضعة شهورٍ ، و رزقا بطفل اختار (حسين) له إسم( رابح ) ... لكن (فاطمة) لم تبتسم ، و لم يعلو محياها انشراح ، حتى بدأ (رابح ) يحدث بعض الأصوات فتأكدت أن فلذة كبدها ليس بأخرس . فانقلبت كآبتها إلى سعادة . ملأ (رابح) حياة والديه ، و أدخل المرح و الحبور إلى قلبهما ... فاقسم (حسين ) أن يجعل من ابنه طبيباً ليعود به الى بلده ، حتى إذا عاد الطاعون الى قريته ، سيقوم (رابح ) بعلاج المرضى مجانا. و تمضي الأيام .. و يدخل (رابح) المدرسة ، فالثانوية ، فالجامعة ... و دخل كلية الطب كما أراد له أبوه .. و كان طالباً متألقا ، فقد نال محبة أساتذته له ، و احترام زملائه و زميلاته .. حيث كان الطالب العربي الوحيد في ذلك الوقت الذي يبلغ شوطاً بعيداً ، و شأواً عاليّاً في دراسة الطب . فأما (حسين و فاطمة ) فقد تفانوا من أجل أن ينظرا البسمة على وجه و حيدهما .. و اصبح شغلهما الشاغل هو إسعاده يفرحان إذا فرح ، و إذا غضب فيومهما كؤود ، وليلهما أليل . لكنّ رابح كان بارّا بهما . و عندما يعتريه بعض القلق ، أو تصادفه بعض المشاكل فلا يظهر ذلك لهما ، بل تراه يظهر لهما الفرح و البشاشة ... و في غمرة أفراحهما و سعادتها . لأن وحيدهما الشاب على قاب قوسين من التخرج ، و لم ينقص لذلك سوى ثلاث سنوات .. فإذا بالإعلان عن استقلال بلدهما الأصلي . فيقرران العودة الى بلدهما بعد إثنين و ثلاثين سنة من الغربة عن الوطن .و عاد (حسين و فاطمة ) بصحبة وحيدهما (رابح ).. و لكن حدث ما لم يكن في الحسبان . ... يتبع |
|
25-12-2008, 01:25 PM | #4 |
عضـو مُـبـدع
|
.../ ...
وجد (حسين) أنّ كلّ شيءٍ قد تغيّر و تبدّل .. حتى أفكار الخلق و عقلياتهم تغيرت أو أصابها النسيان ... نسيان الماضي ... فثلاثة عقودٍ من الأعوام كانت كفيلة بمحو الماضي بحلوه و مره .. أصابت (حسين ) خيبة املٍ ، و اجترار يأسٍ .. و لم يكن (حسين) يدري أن أراضي العائلة قد صودرت ، ولمّا علم جنّ جنونه ، و أظلمت الدنيا في عينيه ، و طرق كل الأبواب ، و لكن عبثاً كان يحاول . و الذي حز في نفسه أن أراضيه و جدها قد صودرت لا من أجل المنفعة العامة ... و إنما أخذها رجال لهم باعٌ ، و هم من ذوي الجاه و السلطان ، أخذوها عنوة و اغتصاباً . لأنها أراضي تقع على شاطئ البحر . حيث بدؤوا يبنون عليها فيلاتهم ، و إقامة مشاريعهم السياحية عليها . أ مكتوب على (حسين) معاشرةَ الأحزان نفساً وفكراً وجسداً، ها هي الامور تزيده بفواجع ومواجع في أرضه . كما أتت عليه سابقا في الأهل والأخلاء. ألا يكفُّ الدهر عن هذا الأسى الذي لا يتوقف، وهذه الشجون التي لا تنتهي؟... و هذه الاوجاع لِم لا تنتهي ، و لـِم لا تخالطها رأفةٌ أو رحمةٌ به، كأن بينه وبينها ضغينةٌ وبغضاء مرقومة في الأزل. أ من العدل أن تؤخذ ارض الأجداد هكذا ؟ .. كأنها لم تكن ملكاً له ؟ .. هكذا تقوم الساعة و ترجف الراجفة ، و تطوى السماء طي السجل للكتب ، إن كانت هذه الأرض ليس ملكاً لاجداده عبر السنين و الدهور ... و لكنه الظلم و الجور . بركانٌ من الغضب بداخله يرمي حمماً ، و نارٌ مشتعلة في صدره تاتي على الاخضر و اليابس ... و لكن ما الحيلة ؟ رفع القضية إلى القضاء ... فتحججت المحكمة بأنه لا يحمل جنسية البلد بعدُ ... و عندما تقدم بطلبٍ لذلك قوبل طلبه بالرفض ، لئلا يطالب باسترجاع أراضيه ... فتأكد (حسين ) أن وراء الكواليس اخطبوط ، و أيد تعمل في الخفاء .. و أن وراء الأكمة ما وراءها. هاله أن عدم حصوله على الجنسية ، كمن يقول لعربي قح : لست عربيا ... أو أثبت أنك عربيٌّ.. و ركب البحر هارباً من الطاعون مرة أخرى ... و لكن هذه المرة كان الطاعون مخلوقات بشرية عجيبة لهم صفات بشرية ، ولكنهم قد تخلّوا عن آدميّتهم .. فهل كتب عليه التيه مرة أخرى ؟ .. و رجع ثلاثتهم من حيث أتوا. و بعد رحلةٍ بحريةٍ وصلوا ... و لكن هذه المرة لم يقلق (حسين) لأنه يعرف البلد و أهله ، فلم يحتج إلى التعود... عاد (رابح) ليتابع دراستهِ في الطب ... فيتعرّف في الجامعة على (فرنسواز ) فتاة وحيدة والديها ، لها من الجمالِ ما لها . فأّعجبت به ، و تحول ذلك الإعجاب الى حب ... و كان (رابح) يحب (فرنسواز) في صمتٍ ... و كم من مرة حاول حاول أن يبوح لها بما في الفؤاد ، لكنّ التعبير كان يخونه ... و لكن ترى لماذا؟.. إنها نتيجة حتمية ... إنما هو الصمت الذي اعتاده ، و يحياه في منزله نظراً لعاهة أمه ... و كم كان يعود الى المنزل فرحاً مسروراً ، فيتخّل (فرنسواز) و يخاطب طيفها ، ليصرح لها بكلماتٍ لها من سحر البيان و عذب الكلام ما لها . ثم يدون ما قاله في كراس كتب على غلافه " كلمات إليها" ... كانت الام (فاطمة) لا تفهم و لا تعي ما يقول ، و لكنها تحسّ كل كلمة كان يتفوه بها . فتنتابها سعادة يراها (حسين) على ملامح وجهها فيفرح لفرحها . في احد الأيام قرر (رابح) أن يبوح بما في الفؤاد لـ(فرنسواز) ، و انتظرها في الجامعة كالمعتاد ، لكنها لم تأتي ذلك اليوم ...و طال الانتظار ...فاستفسر الأمر ، فعلم من إحدى صديقاتها أنها فقدت أمها ... فحزن لحالها ، و تألم في أعماق نفسه ... و لما عاد إلى المنزل انهار باكيا ، فحاولت أمه استفسار عما يبكيه . فصرخ في وجهها و قال : ـ لقد ماتت أمها ... و أوصد باب غرفته و بكى بكاء مرّا ... لكنّ (فاطمة) لم تفهم شيئا ، و لكنها قلقت و احتارت ... و عندما عاد (حسين) الى المنزل أشارت عليه أن يستطلع عن الذي ابكى فلذة كبدها ... فدخل (حسين) غرفة ابنه و قال له : ـ أراك متعبٌ ، ما الذي يقلقكَ يا ولدي ؟.. ـ لا شيء يا أبي ... نظر (حسين) إلى ولده مليّا و قال : ـ من هي التي ترفض حبكَ لها يا عزيزي ؟... تفاجأ (رابح) ، ودون ان يشعر قال :ـ إنها لم ترفض حبي ،و لكن فقدت أمها ... و لكنه تفطن و استطرد :ـ ماذا أقول ؟ ... لا ، لا ! لم أقل شيئا ... أنسى ما قلت يا أبي!... و ساد صمت . خرج (حسين) من غرفة ولده ، و اشار لـ (فاطمة ) ألاّ تقلق ، فولدهما يحب ... فصمت كالعادة ... و بقي (حسين ) يضرب أخماساً في أسداس ... ثم لاحت له فكرة . و اتجه نحو غرفة ولده ، و قال له : ـ هل تعرف عنوانها ؟... ـ أظن ، فهي تسكن في (؟) و تبعد من هنا حوالي مائة كيلو متر ... و لكن لماذا هذا السؤال يا أبي ؟ ... ـ سترى يا ولدي ، سترى .. خرج (حسين) من المنزل ... و ما هي إلاّ نصف ساعة . حتى عاد بسيارة أجرة . فدخل على ولده و قال : ـ من الواجب علينا أن نشاطر من نحبهم أحزانهم ... قم يا عزيزي لتذهب و تقدم واجب العزاء ، فالسيارة أمام الباب . و سأكون أنا و أمك برفقتك . حاول (رابح) أن يعترض ، و لكن والده كان حازما و حاسما ... و قال : ـ لقد قررتُ . و ركب ثلاثتهم السيارة . ... يتبع |
|
25-12-2008, 01:28 PM | #5 |
عضـو مُـبـدع
|
.../ ...
و بدأت السيارة تخترق السهو و البطاح في طريق ذي منعرجات أشبه ما يكون بحية رقطاء ، يحفه من الجانبين أشجار الصنوبر الباسقة و الوارفة الظلال ، يتخلل ذلك الطريق أودية و شعاب أقيمت عليها قناطر في هندسة عجيبة ، أبدعتها أيد ماهرة ، و تلوح بين الفينة و الأخرى طواحين الهواء و هي تدور حالة هبوب الرياح ... و بعد ساعة و نصف بانت لهم من بعيد مزرعة واسعة الاطراف بها بساتين غناء لأصنافٍ من أشجار التفاح و الكمثرى و الخوخ و المشمش و الكروم... في تنسيق جميل يُخيّل للرائي أنه يرى لوحة زيتية رسمها فنان ماهر... أخرج (رابح) من جيبه ورقة ، و قال : ـ أظن أن هذا هو المكان الذي نريد حسب ما هو مكتوب في الورقة التي كانت قد أعطتها لي ... وقفت السيارة أمام المدخل الخارجي للمزرعة ، و استفسروا عن صاحب المزرعة من الحارس ... فتأكدوا أن (فرنسواز) تسكن فعلاً هنا ... فطلبوا من الحارس أن يفتح لهم ، لأنهم أتوا يريدون تقديم العزاء لأهل الدار .ففتح لهم ... و ما هي إلا لحظات سيراً بالسيارة حتى وجدوا أنفسهم أمام منزل كبير و فخم ، أشبه ما يكون بقصر أنيق . تحيطه من كل الجوانب تقريباً شجيرات الورود و الأزهار مختلفة الألوان مع بركٍ مائية تسبح فيها شتى أنواع من الأسماك و الطيور المائية . و عند وصولهم أمام المنزل وجدوا رجلاً في الخمسينات من عمره ، ظهرت عليه علامات الحزن ، يكاد يخفيها ... فتقدم إليه (رابح) و قال : ـ سيدي أنا زميل للآنسة (فرنسواز) في الجامعة ، جئت لأتحدث معها في أمرٍ ما ... ترى هل هي موجودة الآن ؟.. ـ نعم ! إنها بالداخل ، و أنا (بيرنار) أبوها . ـ عفواً ! ياسيدي تعازينا الحارة ... و هؤلاء أبي و أمي.. تقدم (حسين و فاطمة ) لمصافحة الرجل و تقديم واجب العزاء ... فشكرهم و ادخلهم صالون الأستقبال . و طلب من أحد في المنزل أن يخبر (فرنسواز) بان ضيوفاً جاءوا لتقديم العزاء . نزلت (فرنسواز) وهي ترتدي لباس الحداد ، وما إن رأت (رابح) حتى انهارت باكية ... فرقّ لحالها ، و تقدم منها و قال لها : ـ تعازي الحارة يا (فرنسواز) و صافحها ، و قدّم لها والديه . فشكرتهم ، و لكنها بقت واجمة و صامتة ... و ساد صمتٌ ... فقطع والدها ذلك الصمت موجهاً الكلام إليها : ـ أ ليس هو ذلك الطالب العربي الذي كنتِ تحدثينا عنه من حين لآخر؟.. فهزّت رأسها ، أي : نعم !. قال (بيرنار ) : ـ نعم الفتى هو ، و أكرم به من زميلٍ لكِ. همس (رابح) في نفسه : ـ يظهر أن لي مكانة في قلبها ... و فرح في أعماقه.. و ما هي إلا دقائق و قال (حسين) : ـ إن السيارة بأنتظارنا ، فهل تأذن لنا يا سيدي بالانصراف ؟... ـ نعم ! لكَ ما تريد ياسيدي ، و اشكر لكم صنيعكم هذا ، و لن أنساه ما حييت ... و لا اراكم الرب يسوع مكروهاً... و وقفوا للانصراف ، فرافقهم الرجل و ابنته حتى خارج المنزل ... و قبل أن يمتطوا السيارة تقدم (رابح) من (فرنسواز) و قال لها : أتمنى أن تتغلبي على احزانك ، و ان تعودي إلى الجامعة في أقرب وقت ... ـ سأفعل ، و سأعود ... و اقتربت منه متمتة : و ان تصارحني ، و ألا تعود إلى صمتك المعتاد .. أحبت (فرنسواز رابح) و عشقته ، مما جعلها تخرج من أحزانها بسرعة، كما أنها رأت فيه فارس احلامها ، و الرفيق الذي تبدأ معه مشوار الحياة ... و بادلها هو حبّاُ صادقاً و عفيفاً . فلا ينظر إلا إليها ، و لا يحلو له الوقت إلا معها. أردت (فرنسواز) أن تعرف كل شيءٍ عن( رابح )، لدرجة أنها بدأت تقرأ عن العرب و عن الإسلام ، حتى تعمقت في ذلك ، فهداها الله و اعتنقت الإسلام عن درايةٍ و فهمٍ . لا لكون صديقها عربيا مسلما، و أصبحت فيما بعدُ تسمى (عائشة) ... و لم تطل الصحبة ، و تزوجا .. تخرج (رابح و فرنسواز) و عملا كطبيبين في ارقى المستشفيات و المراكز الصحية الجامعية، و كم كانا ناجحين في عملها . و نتيجة حبهما و تفانيهما في مهنتهما مرتِ الأيام و الأعوام سراعاً و لم يتفطنا لقضية الإنجاب حتى تقدم بهما العمر نوعاً ما ... و بدأ القلق و الخوف يسريان في نفس (حسين ) خائفاً من أن ينقرض نسل العائلة ... و كم كان يعود من حين لأخر بذاكرته للوراء ، و كيف هرب من الطاعون من اجل البقاء ... فهو لا يريد أن رحلة الحياة تنتهي هنا... و كم كانت (فاطمة) تتألم في صمتها الأبدي . و لكنها كانت تربت من حين لآخر على كتف زوجها في إشارة : ألاّ تقلق ... فيحاول (حسين) أن يصرخ في وجهها و لكنه لا يفعل ، لأنه يعلم أن صراخه سيذهب أدراج الرياح ، و لن تسمعه . و ما إن تفطّنت (عائشة) لآلام حماها و حماتها و قلقهما اعتذرت لها ، لأنهما كانت تجلهما و تحبهما حبّا جمّا ... و ما هي إلاّ شهور و بان حملها . فخدمها (حسين و فاطمة) و صارا رهن إشارتها ، و شاركهما في ذلك (بيرنار) والدها ... و كم كانت تعاتبهم ثلاثتهم على ذلك. و جاء يوم ولادتها فكان طفلا . اختار كل واحد له إسماً ، و لكنه اشتهر بـ (علي) . فكان السعادة التي جلبها إلى العائلة و خصوصاً الجد (حسين )و الجد( بيرنار) و الجدة (فاطمة) ... مما جعل الجد (بيرنار) يتنازل عن المزرعة و يسجلها باسم ( رابح و عائشة ) ... و انتقلت كل العائلة الى المزرعة بما في ذلك الجد (حسين ) و الجدة (فاطمة ) ... و ما هي سوى خمسة عشر شهراً و لحق (سعيد) بأخيه ، فكانت السعادة بأسمى معانيها قد حلت بالعائلة ... و لم تتأخر (أمال) إلاّ بعامين و بضعة أشهر ، و جاءت الى هذه الحياة لتنافس أخويها في ذلك الحب العائلي . كل هذا رجع به (علي ) إلى الوراء و هو يجلس بمكتبه بعدما خرج من عند المدير العام ...أرسلها زفرات ، فسالت من عينيه عبرات ... و قال يخاطب نفسه : إذا كان جدي خرج هرباً من الطعون حذر الموت ...ساعود هذه المرة أنا لمواجهة الطاعون ، ولابد من القضاء عليه ... و لكن الطاعون هذه المرة يختلف ... فهو طاعون الجهل ، و طاعون الفقر ... و هل هناك من هو افتك منهما؟!. ـ اللهم عونك فيما اخترته لي .... ثم أغلق باب مكتبه و خرج ... انتهى. |
|
25-12-2008, 05:12 PM | #6 |
عضـو مُـبـدع
|
شكراً على المرور ... يا دمعة خيانه
فقد قيل " أنجز حر ما وعد ".. و أنا انتهيت من موضوعي أنتظر عودتك . تحياتي. |
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
|
|