|
02-02-2013, 02:23 PM | #31 |
المدير العام للموقع
روح نفساني
|
ها هي قسنطينة.. ساعتان فقط ليعود القلب عمراً إلى الوراء. تشرع مضيفةٌ باب الطائرة، ولا تتنبّه إلى أنها تشرع معه القلب على مصراعيه. فمن يوقف نزيف الذاكرة الآن؟ من سيقدر على إغلاق شبّاك الحنين، من سيقف في وجه الرياح المضادة، ليرفع الخمار عن وجه هذه المدينة.. وينظر إلى عينها دون بكاء. ها هي قسنطينة إذن.. وها أنذا أحمل بيدي الوحيدة حقيبة يد، ولوحة تسافر معي سفرها الأخير، بعد خمس وعشرين سنة من الحياة المشتركة. ها هي "حنين"، النسخة الناقصة عن قسنطينة، في لقاء ليليّ مع اللوحة الأصل.. تكاد مثلي تقع من على سلّم الطائرة تعباً.. ودهشة.. وارتباكاً. |
|
02-02-2013, 02:25 PM | #32 |
المدير العام للموقع
روح نفساني
|
تتقاذفنا النظرات الباردة المغلقة، تتقاذفنا العبارات التي تنهى وتأمر. وكل هذه الوجوه المغلقة، وكل هذه الجدران الرمادية الباهتة.. فهل هذا هو الوطن؟ قسنطينة.. كيف أنتِ يا اميمة.. واش راك؟ أشرعي بابك واحضنيني.. موجعة تلك الغربة.. موجعة هذه العودة.. باردٌ مطارك الذي لم أعد أذكره. باردٌ ليلك الجبلي الذي لم يعد يذكرني. دثّريني يا سيدة الدفء والبرد معاً. أجلي بردك قليلاً.. أجّلي خيبتي قليلاً. قادمٌ إليك أنا من سنوات الصقيع والخيبة، من مدن الثلج والوحدة. فلا تتركيني واقفاًً في مهب الجرح. أحلام مستغانمي |
|
02-02-2013, 02:27 PM | #33 |
المدير العام للموقع
روح نفساني
|
لم نمت ظلماً.. متنا قهراً. فوحدها الإهانات تقتل الشعوب.
في زمن ما كنا نردد هذا النشيد في سجن قسنطينة. كان يكفي أن ينطلق من زنزانة واحدة، لتردده زنزانات أخرى، لم يكن مساجينها سياسيين. كان لكلماته قدرة خارقة على توحيدنا. اكتشفنا مصادفة هناك صوتنا الواحد. كنا شعباً واحداً ترتعد الجدران لصوته. قبل أن ترتعد أجسادنا تحت التعذيب. هل بحّ صوتنا اليوم.. أم أصبح هناك صوت يعلو على الجميع. مذ أصبح هذا الوطن لبعضنا فقط؟ احلام مستغانمي |
|
02-02-2013, 02:34 PM | #34 |
المدير العام للموقع
روح نفساني
|
ها هوذا سجن (الكديا).. كم من قصص مؤلمة، وأخرى مدهشة عرفها هذا السجن، الذي تناوب عليه أكثر من ثائر، لأكثر من ثورة. سنة 1955.. أي عشر سنوات بالضبط بعد أحداث 8 ماي 1945. عاد هذا السجن للصدارة، بدفعة جديدة لسجناء استثنائيين كانت فرنسا تعدّ لهم عقاباً استثنائياً. في الزنزانة رقم 8.. المعدة لانتظار الموت. كان ثلاثون من قادة الثورة ورجالها الأوائل، ينتظرون موثقين، تنفيذ الحكم بالإعدام عليهم، بينهم مصطفى بن بولعيد والطاهر الزبيري ومحمد لايفا وإبراهيم الطيب رفيق ديدوش مراد وباجي مختار وآخرون. كان كل شيء معداً للموت يومها، حتى أن حلاق مساجين الحق العام، أخبر الشهيد القائد مصطفى بولعيد في الصباح، أنهم غسلوا المقصلة بالأمس، وأنه حلم أنهم "نفذوا". وكانت هذه الكلمة تحمل معنييْن بالنسبة لمصطفى بن بولعيد، الذي كان يعدّ منذ أيام خطة للهرب من (الكديا).. وكان شرع مع رفاقه منذ عدة أيام، في حفر ممر سري تحت الأرض، أوصلهم في المرة الأولى إلى ساحة مغلقة داخل السجن. فأعادوا الحفر من جديد، ليصلوا بعد ذلك إلى خارج السجن.
يوم 10 نوفمبر 1955، بعد صلاة المغرب، وبين الساعة السابعة والثامنة مساءً بالتحديد، كان مصطفى بولعيد ومعه عشرة آخرون من رفاقه، قد هربوا من (الكديا)، وقاموا بأغرب عملية هروب من زنزانة لم يغادرها أحد ذلك اليوم.. سوى إلى المقصلة. |
التعديل الأخير تم بواسطة أمل الروح ; 02-02-2013 الساعة 02:36 PM
|
02-02-2013, 02:40 PM | #35 |
المدير العام للموقع
روح نفساني
|
تراها قسنطينة.. تلك الأم المتطرفة العواطف، حباً وكراهية.. حنانا وقسوة، هي التي حوّلتني بوطأة قدم واحدة على ترابها، إلى ذلك الشاب المرتبك الخجول الذي كنته قبل ثلاثين سنة؟
نظرت إليها من زجاج سيارة كانت تنقلني من المطار إلى البيت، وتساءلت: أتراها تعرفني؟ هذه المدينة الوطن، التي تُدخل المخبرين وأصحاب الأكتاف العريضة والأيدي القذرة من أبوابها الشرفيّة.. وتدخلني مع طوابير الغرباء وتجّار الشنطة.. والبؤساء. أتعرفني.. هي التي تتأمل جوازي بإمعان.. وتنسى أن تتأملني؟ سُئلت أعرابية يوماً: "من أحبّ أولادك إليك؟" قالت: "غائبهم حتى يعود.. ومريضهم حتى يشفى.. وصغيرهم حتى يكبر". وكنت أنا غائبها الذي لم يعد.. ومريضها الذي لم يشف وصغيرها الذي لم يكبر.. ولكن قسنطينة لم تكن قد سمعت بقول تلك الأعرابية. فلم أعتب عليها. عتبت على ما قرأت من كتب التراث العربي! |
|
02-02-2013, 02:49 PM | #36 |
المدير العام للموقع
روح نفساني
|
عند قبرها الرخامي البسيط مثلها، البارد كقدرها.. والكثير الغبار كقلبي، تسمّرت قدماي، وتجمّدت تلك الدموع التي خبأتها لها منذ سنوات الصقيع والخيبة.
ها هي ذي (أمّا).. شبر من التراب، لوحة رخامية تخفي كل ما كنت أملك من كنوز |
|
02-02-2013, 02:53 PM | #37 |
المدير العام للموقع
روح نفساني
|
هذا الحجر الرخاميّ الذي أقف عنده أرحم بي منك.
لو بكيت الآن أمامه.. لأجهش بدوره بالبكاء. لو توسّدت حجره البارد، لصعد من تحته ما يكفي من الدفء لمواساتي. لو ناديته (يا أمّا..) لأجابني ترابه مفجوعاً "واش بيك آ ميمة..؟". ولكن كنت أخاف حتى على تراب (أمّا) من العذاب، هي التي كانت حياتها مواسم للفجائع لا غير. كنت أخاف عليها حتى بعد موتها من الألم، وأحاول كلّما زرتها أن اخفي عنها ذراعي المبتورة. ماذا لو كان للموتى عيون أيضاً؟ ماذا لو كانت المقابر لا تنام.. كم كان يلزمني من الكلام وقتها لأشرح لها كل ما حلّ بي بعدها؟ لم أجهش ساعتها بالبكاء، وأنا أقف أمامها بعد كلّ ذلك العمر. نحن نبكي دائماً فيما بعد. مرّرت فقط يدي على ذلك الرخام، وكأنني أحاول أن أنزع عنه غبار السنين وأعتذر له عن كل ذلك الإهمال. ثم رفعت يدي الوحيدة لأقرأ فاتحة على ذلك القبر.. بدا لي وقتها ذلك الموقف، وكأنه موقف سريالي. وبدت يدي الوحيدة الممدودة للفاتحة وكأنها تطلب الرحمة بدل أن تعطيها.. فتنهّدت.. وأخفيت يدي. ألقيتها داخل جيب سترتي.. وألقيت بخطاي خارج مدينة التراب.. والرخام. |
|
06-02-2013, 12:28 PM | #38 |
عضـو مُـبـدع
|
أُخيتي مررت متصفحك الأدبي فأحسستُ بروح العطاء .. وأمل البقاء , فياله من متصفحٍ جميل , فضائُه ممتد وقلمه بحرٌ هادئ بروحٍ ثائرة .. وهناك في أسطُرهِ ألحانٌ متناغمة !! هَوَسِي يشكرُ إبداعُك وروحك المتأملة !! تحياتي لشخصك المعطاءُ ,, سيدتي !! مرَّ من هنا : هَوَسِي يحيى اليحي !! أهديكِ شيئاً من فصيحِ ماكتبت وبطريقتي هوس الحياة ... بقلم هوَسِي الطاغي !! ساقتُلُ حُبَها يَوماً ... وأشنُقُ قلبها جَدلا ... أُعذبُها بما فَعَلت ... وأُسمِعُها أنا مهلا ... أتحسِبُ نفسَها (ليلى) !! بلونِ الليلِ تتَحَلى !! مُحالٌ أن أعودَ لَها ... سَأقتُلُ فيني ذِكرَاهَا ... سأقتُلُها بِسَهمِ الحُب ... وأرجُو القَلبَ ينسَاهَا ... سَأبعثُ كفَنَها ورداً ... مداهُ العِطرَ فَوّاحَا ... ..... ....!!! !!! !!!!!! *أمم معذرةً لعدم إكمالها فهي قديمةُ جداً ولكن سأعودُ لإرشيف هوسي وسأكتُبها لكِ في متصفح الأدب !! تحياتي لشخصكِ يَ أمل الروح yya ’ |
|
06-02-2013, 12:44 PM | #39 |
عضـو مُـبـدع
|
،
شوفولي حل ... بغيت أعدّل شغلات فالخط .. والتنسيق ولكن >><< رسالة إدارية تقول خمسة دقائق !! المهم عدلو الخط والا أزعل يَ وخيتي منكم كلكم !! خخخخخخ أمزح , ربكم يعين !! هوسي يتمنى لكِ وللجميع السعادة !?!? |
|
06-02-2013, 01:22 PM | #40 |
المدير العام للموقع
روح نفساني
|
أهلاً بك أخي هوسي في متصفحي .. تحياتي لك تمر على المواضيع و تترك شيئا من هوسك ..!! أحيي فيك هذه البصمة .. بالنسبة للتعديل على مشاركتك فلا أعلم بالضبط ماذا تريد ان تعدل و نوع الخط و حجمه .. أطلب منك ان واجهتك نفس المشكلة أن تفتح موضوع في الاقتراحات و تضع نفس المشاركة معدلة بالطريقة التي تريدها انت و انا او احد المشرفين سننسخها و نضعها في مكانها المناسب ان شاء الله .. فقط ارفقنا بالرابط الخاص بالموضوع و رقم المشاركة .. تحياتي لك..
|
التعديل الأخير تم بواسطة أمل الروح ; 06-02-2013 الساعة 05:30 PM
|
19-02-2013, 03:31 PM | #41 |
المدير العام للموقع
روح نفساني
|
هل الحنين وعكة صحية؟
مريض أنا بك قسنطينة. كان موعدنا وصفة جرّبتها للشفاء، فقتلتني الوصفة. تراني تجاوزت معك جرعة الشوق المسموح بها في هذه الحالات؟ لم أشتركِ في صيدلية جاهزة في طريق، لأرفع دعوى على بائع الأقدار الذي وضعك في طريقي. لقد صنعتك أنا بنفسي، وقست كل تفاصيلك على مقاييسي.. أنت مزيج من تناقضي، من اتّزاني وجنوني، من عبادتي وكفري.. أنت طهارتي وخطيئتي. وكل عقد عمري. الفرق بينك وبين مدينة أخرى.. لا شيء. لعلك كنت فقط المدينة التي قتلتني أكثر من مرة لسبب مناقض للأول.. كل مرة. فأين الحد الفاصل بين جرعة الشفاء وجرعة الموت هذه المرة؟ وفي مواسم الخيبة، تصبح الذاكرة مشروباً مراً يُبتلع دفعة واحدة، بعدما كان حلماً مشتركاً يُحتسى على مهل؟ هنا تبدأ الذاكرة المشتركة، وشوارع يسكنها التاريخ وينفرد بها. بعضها مشيتها مع سي الطاهر وأخرى مع آخرين. هنا شارع يحمل اسمه.. وشوارع تذكر عبوره. وها أنذا أتوحد بخطاه وأواصل طريقاً لم نكمله معاً. تمشي العروبة معي من حيّ إلى آخر. ويملؤني فجأة شعور غامض بالغرور. لا يمكن أن تنتمي لهذه المدينة، دون أن تحمل عروبتها. العروبة هنا.. زهو ووجاهة وقرون من التحدّي والعنفوان. مازالت لحية (ابن باديس) وكلمته تحكم هذه المدينة حتى بعد موته. مازال يتأملنا في صورته الشهيرة تلك. ملتحياً وقاره، متّكئاً على يده، يفكر في ما أُلنا إليه بعده. ومازالت صرخته التاريخية تلك بعد نصف قرن. النشيد غير الرسمي الوحيد.. الذي نحفظه جميعاً. شعب الجزائر مسلم *** وإلى العروبة ينتسبْ من قال حاد عن أصله *** أو قال مات فقد كذبْ أو رام إدماجاً له *** رام المحال من الطلبْ صدقت نبوءتك لنا يا ابن باديس.. لم نمت. فقط ماتت شهيّتنا للحياة. فماذا نفعل أيها العالم الفاضل؟ لا أحد توقّع لنا الموت يأساً. كيف يموت شعب يتضاعف كل عام؟ يا نشء أنت رجاؤنا *** وبك الصباح قد اقتربْ ذلك النشء الذي تغنيت به.. لم يعد يترقب الصباح، مذ حجز الجالسون فوقنا.. الشمس أيضاً. إنه يترقب البواخر والطائرات.. ولا يفكر سوى بالهرب. أحلام مستغانمي |
|
24-02-2013, 12:52 PM | #42 |
المدير العام للموقع
روح نفساني
|
ليس في حوزتنا أشياء لا نحتاجها ، لأنها حتى عندما تهترئ ، وتعتق ، نحتاج حضورها المهمل في خزائننا أو في مرآب خردتنا ، لا عن بُخل ، بل لأننا نُحب أن نثقل أنفسنا بالذاكرة ، ونفضل أن نتصدق بالمال ، على أن نتصدق بجثث أشيائنا ولهذا يلزمنا دائماً بيوت كبيرة .
أحلام مستغانمي |
|
24-02-2013, 12:57 PM | #43 |
المدير العام للموقع
روح نفساني
|
أحلام مستغانمي
الأحلام التي تبقى أحلاما لا تؤلمنا، نحن لا نحزن على شيء تمنيناه ولم يحدث، الألم العميق هو على ما حدث مرة واحدة وما كنا ندري انه لن يتكرر..
|
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3) | |
|
|