ما أكثر العوائق والعقبات في حياة الإنسان !، وما أشد حاجته إلى قهرها والتغلب عليها، حتى لا تكون سببا في فشله وتعطيل مواهبه.
لقد اختلف الناجحون والعظماء في توجهاتهم نحو القمة والنجاح، وسلكوا إلى طريق النبوغ والعبقرية مسالك شتى، انتهت بهم إلى الشهرة والخلود في ذاكرة مجتمعهم. ولكنهم اتفقوا جميعا، على أن اللذة الحقيقية، والمتعة الغامرة، تكمن في اللحظة التي يكون فيها الشخص منهمكا في مُراغمة الصعاب، ومعالجة التحديات المطروحة في طريق النجاح، وأكدوا على أن التحدي والإثارة التي يولدها اقتحام العقبات، أعظم من النجاح، بل هي النجاح نفسه.
وقد عبر القرآن الكريم عن هذا المعنى العميق في قوله ـ عز وجل ـ: ( فلا اقتحم العقبة ) البلد.
فالعقبات المادية والمعنوية في طريق النجاح والفوز، قاسية وشديدة، تحتاج إلى جلَد وصبر لاقتحامها، وهو نفس ما يدل عليه لفظ الاقتحام، إذ هو الدخول بسرعة وضغط وشدة. يركز القرآن من خلال هذه الآية أن العقبة تحتاج إلى اقتحام، فلا يجدي التراجع أمامها ولا القفز عليها، ولا التذمر من صعوبتها وقسوتها ... وقد مثَّل القرآن لهذه
العقبات الكأداء، بما ذكره في الآية، من فك الرقاب وإطعام المساكين واليتامى:( فك رقبة ، أو إطعام في يوم ذي مسغبة، يتيما ذا مقربة، أو مسكينا ذا متربة. ثم كان من الذين آمنوا ) البلد. وهي أعمال جليلة تدخل في صميم العمل الاجتماعي الذي به صلاح الفرد والمجتمع، لا يقدر عليها إلا ( ذات اقتحامية ) مؤمنة. فالعقبة المذكورة في الآية - كما قال الألوسي رحمه الله - : ( استعارةٌ لما فُسِّرت به من الأعمال الشاقة المرتفعةِ القَدْرِ عند الله تعالى ) روح المعاني.
كل أنواع الحرمان وصُوَرِه، سواء كانت يتما أو جهلا بالهوية أو حرمانا ماديا أو إعاقة جسدية، شكلت في حياة العظماء والناجحين مادة للتحدي، ولم تكن بالنسبة لهم عائقا في سبيل الشهرة والنجاح. بل ألْهَبت الإرادة والخيال، وتفتّقت عن إبداعات عبقرية في الفنون والآداب والمخترعات العلمية.
فالحرمان من بعض الحاجات الأساسية، لا يعني توقف الحياة ونهاية العالم، بل يكون في كثير من الأحيان بداية من نوع آخر، وانطلاقا صوب أفق جديد، ومشهدا مؤثرا، من مشاهد قهر الطبيعة الإنسانية لكل أنواع الضعف، وتمرد الفطرة على ضغط الشعور بالدونية والنقص. ومن صخرة الحزن الجاثمة على النفس، قد تنبجس عيون الأمل، ومن تحت رماد الحرمان، قد تتوهّج شعل الذكاء والطموح، وقوة الإرادة والصبر، وحب النجاح والعطاء بلا حدود ... وكلها أسباب للتفوق والنبوغ، في كل زمان ومكان، وأدوات طيعة في يد مَنْ يحسن استخدامها، لا تفرق بين يتيم وغيره، ولا بين مجهول النسب ومعلوم النسب، ولا بين معوق وسوي، ولا بين فقير وغني. فالجميع خلق ليؤديَ دورا محددا لا يحسنه غيره، والكل ميسر لما خلق من أجله.
( عليك إذن كي تنجح، أن تخوض المعترك، أن تلقي بنفسك في الميدان، بكل عزم وثبات، وأن تقاوم كل ما تلقاه من عراقيل، ويعوق سيرك من عقبات. بيْد أنك لا تستطيع أن تقف هذه المواقف، إذا كنت هزيل الثقة بنفسك، ترتجف لأدنى ضجة، وتهرب لدى أول عقبة، وتخشى أي اصطدام، وتلين أمام أي معارضة)
?????>drawGradient()??????>.