|
|
||||||||||
الملتقى العام لكل القضايا المتفرقة وسائر الموضوعات التي لا تندرج تحت أي من التصنيفات الموجودة |
|
أدوات الموضوع |
09-04-2015, 01:42 PM | #1 | |||
عضو نشط
|
السّقوط إلى الأعلى .. مقالة بقلمي
كان يا ما كان، في حاضر العصر و الأوان، في رقعة صغيرة في العالم، هناك تعيش فتاة كانت قد رضعت حبّ العلم بدل الحليب في الصّغر، قرأت مجلّدات القصص في سنّ الرّابعة، و أخذت علامات كاملة بالرّياضيّات من دون دراسةٍ تُذكَر منذ التحقت بالمدرسة، و درَّست علم الفقه لصديقاتها قبل سنّ العشرين، و نالت الامتياز مع مرتبة الشّرف إلى سنة ثالثة جامعة.
…………………………. ثم بعد ذلك سافرت إلى الخارج لإكمال دراسة الماجستير و الدّكتوراه في مجالها، و هي الآن تحاضر في إحدى الجامعات المرموقة، يلتفّ حولها الطّلبة لينهلوا من علمها. صح؟ خطأ! أنفال أصيبت بمرض نفسي في آخر سنة ثالثة جامعة، فرسبت مرة، و ثانية، و ثالثة، و رابعة، و خامسة، و سادسة، و سابعة، و ثامنة، و الآن ما زالت في نفس السّنة الّدراسيّة التي كانت عليها منذ أُصيبت بالمرض. لا جرم أنَّ الحياة تصوِّب على رؤوسنا من حيث أدنى ما نتوقّع. الفشل مرّ المذاق، و لا زلت بين الحين و الآخر أجد مرارته في قلبي. الفشل كان بالنّسبة لي -من لم تذق شيئًا دون التفوّق على مدى ٢١ من حياتها- جرحًا عميقًا في القلب، هو الانكسار في العين، هو إطراقة الرأس، هو التّواري عن أنظار النّاس خشية سؤالهم عن حالك السيّئ، هو الدّموع تذرفها بينك و بين الظّلام، بل هو الظّلام ذاتُه في العين و القلب و الدرب. و لكن، لا تخلو هذه المرارة من ملاذّ، و ملاذّ عظيمة أيضًا. و ما يلي هو ما علّمنيه الفشل عبر هذه السّنين الطّويلة: ١/ جمال القرب: لا أقول بالحبيب لأنّهم أوّل من فارقك بعد أزمتك، بل بالقرب من الخالق، بتُّ “أكلّم” الله تعالى في كلّ وقت و حين، و أذكره بقلبي، و هذا سرٌّ من أسرار الأزمات لو فَقِهناها، فالله تعالى لا يبتلينا بالمصائب إلا لنرجع إليه، فمنهم من يُوفَّق إلى ذلك، و منهم من يزداد بعدًا، فهذا أضاف إلى مصيبته مصيبةً أعظم. نسأل الله السّلامة. فأمّا من وفِّق إلى ذلك، فقد نال أعظم المنازل و غاية الرّغبات في الدّنيا و الآخرة. ٢/ انكسار أنف الكِبر و العجب: يُقال أنَّ فرعون ما ادّعى الألوهيّة إلا لأنّه لم يُبتلَ يومًا بصداع يكسر رعونته. و بغضّ النّظر عن صحة القصّة فمحتواها صحيح كلّ الصّحة. الفشل هَذّب أخلاقي، بعد أن كنت معجبة بنفسي مغرورة بها، سلبني الله تعالى -في فترة من فترات مرضي- كل أسباب الإعجاب بالنّفس، من مواهب، و اهتمامات، و إمكانيّات، فأوصلني ذلك إلى درجات في هضم النّفس و احتقار الذّات لا يمكن تصوّرها. ٣/ تقدير الأشياء الصّغيرة: بعد أن سُلبت منّي نِعَم كثيرة، من الأصدقاء و الذّكاء و النّجاح و غيرهم، أصبحتُ أنتبه إلى نعم دقيقة ما كنتُ ألتفت إليها من قبل. القدرة على رفع جنبي من الفراش عند الاستيقاظ، خروج الأقذار منّي -أكرمكم الله- بكلّ سهولة، الرّجوع إلى البيت بسلامةٍ من أي حوادث بعد مغادرته لقضاء حاجة، حتى هذا الأوكسجين الذي يتردّد في رئتي. نِعَم كنت قد غفلتُ عنها كان من اللازم إصابتي بهذا الحرمان العظيم حتى أنتبه إليها. ٤/ ما توفيقي إلا بالله: عرفت، و استشعرت، ما معنى التّوفيق في الحياة، و أنّ كل ما كنت فيه من مجد و شرف و تفوّق و عزّ ما هو إلا من تيسير الله تعالى و توفيقه، و لو كان من لدن نفسي لبقي معي، و لاستجاب لي إذا طلبتُه، و لكن، قد استنجدت بحولي و قوّتي سنين عددًا فلم تُغِثْني، حتى صيّرتني حالي إلى أن أنادي: “ربِّ عجزت قدرتي، و ضعفت قوتي، و سقطت حيلتي، و لا إله إلا أنت”، ثم فتح لي الله سبحانه و تعالى باب الدّعاء، فأصبحت كتيِّبَ أدعيةٍ يتحرَّك، أصبحتُ أدعو آناء الليل و النّهار، في صلاتي و خارجها، في خلواتي و مع النّاس. أحيانًا أنسحب من مجمع أناس، حتى أبكي و أدعو، حتى بدأت شيئًا فشيئًا باستعادة قوّتي، و لا حول و لا قوة إلا بالله. ٥/ اكتشاف معنى الحياة: يظنّ الكثير من النّاس أنَّ مجرّد الامتياز و التفوّق في مجالات الحياة المختلفة كافٍ دائمًا لأن يعطيك معنى. الحقيقة كان عندي نصيب كبير من ذلك، فقد كنت متفوّقة في دراستي، جدًّا، و كنت أدرِّس و أجيب أسئلة تُوجَّه إليّ في بعض علوم الشّريعة -رغم حقارة بضاعتي-، و كنت أساعد النّاس ما استطعت إلى ذلك و أجد لذة كبيرة فيه، و لكن … أرى أنّ وجود المعنى طَوْرٌ آخر في الحياة لا يقع عليه الإنسان إلا بعد مقاساة المعاناة الشّديدة، فهل يا ترى تكون كلمة “معنى” قد اشتُقَّت من “المعاناة”؟! الحقيقة أن إصابتي بالاضطراب الوجداني “ثنائي القطب” ملأت روحي بالألم و الانكسار، و لكنّه أيضًا ملأني بشعور آخر، شعور ال”empathy” (لم أجد ترجمة دقيقة لهذه الكلمة)، و أقصد به “استشعار” معاناة من يعانون بمثل ما أعاني من فشل، و مذلّة، و انكسار، و أعراض المرض النّفسي. فصارت غايتي في الحياة منبثقة من معاناتي، و استجمعتُ كل ما ما وهبني الله تعالى من قدرة على الكتابة، و قدرة على تسهيل المعلومة، و حب عظيم لمساعدة النّاس، و إفادتهم بما علّمنيه الله تعالى، لملمت كلّ هذا الشّتات، و وجّهته إلى رسالة سامية: توعية المجتمع بالأمراض النّفسيّة، و مساعدة المرضى النفسيّين بما أمكنني، من هنا، وجدُت المعنى. …….. هل انتهت قصّة هذه الفتاة؟ لا طبعًا! سوف تحيا، و تقوم على رجلها، بل تحلّق بجناحَيها، إلى حلمها، حتّى يأتي اليوم العاجل غير الآجل الذي تدوّن فيه تجربتها، و لكن هذه المرّة، مع دروس النّجاح! المصدر: نفساني
|
|||
|
09-04-2015, 02:15 PM | #2 |
الرئيس
الرئيس
|
ننحني احتراما وتقديرا ونرفع القبعات جميعا ،، لهذا القلم الرائع ،،
هذه الهامة التي لم يصنع منها المرض إلا قوة وصلابة وتحدي ، رائعة أنت بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، قوية بما يكفي لأن تقومي اكثر عافية من ذي قبل ،،، اهلا بك ايتها الرائعة . |
التعديل الأخير تم بواسطة الحوراني ; 09-04-2015 الساعة 02:19 PM
|
09-04-2015, 03:06 PM | #3 |
المشرف العام
راحلون ويبقى الأثر
|
مقال رائع وصاحبته أروع تحية لك ولقلمك ولهذا السقوط الذي هوى بك الى القمة دمتي بهذا الصمود وبتلك القوة ما حَيييتي.. ESWVG
|
|
13-04-2015, 10:05 AM | #4 |
عـضو أسـاسـي
|
رووووووووووووووووووعه
قليل جداا في حق هذا الاسطر كلمة إبداااااااااااااااع اتمنى الاستمرار في كتااااااااااااااباااااااات اسطر فعلا تحكي معاناتنا ومعانات الكثيرررر ياليت لو تستمري وتستمري وتحويل ما يكتب الى كتيبات او مذكرات للاستفادة منهاا للجميع . * أحد احلامي او افكاري كتابه هكذا مقالات او قصص .. لكن لعجزي وقصري في الوصول الى مستوى يليق بالقارئ اتمنى اكتب قصه فلم او مسلسل لو من بضع حلقات تحكي واقع من يعاني من بعض الامور النفسيه وكيفيه التغلب عليها لبث ولو شي بسيط من الامل لمن يعاني ليلا ونهاراً ولا يشعر به الا خالقه سبحانه وتعالى تحياتي ,,, ESWVG |
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|