|
|
||||||||||
ملتقى الرقية الشرعيه لجميع المواضيع الخاصه بالرقيه الشرعيه والمس والسحر والعين وغيرها ،،، |
|
أدوات الموضوع |
20-09-2011, 01:24 AM | #1 | |||
عضو مجلس اداره سابق
|
فصول مما كتبه ابن القيم عن السحر والحسد والرقى في بعض كتبه
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
فصول مما كتبه ابن القيم عن السحر والحسد والرقى في بعض كتبه الحمد لله وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم وبعد : فصل تأثيرات السحر وأن له حقيقة بخلاف قول المعتزلة أنه تخيل فقط : وقد دل قوله: {ومن شر النفاثات في العقد} وحديث عائشة المذكور على تأثير السحر، وأن له حقيقة. وقد أنكر ذلك طائفة من أهل الكلام من المعتزلة وغيرهم، وقالوا: إنه لا تأثير للسحر البتة لا في مرض ولا قتل ولا حل ولا عقد. قالوا: وإنما ذلك تخييل لأعين الناظرين لا حقيقة له سوى ذلك. وهذا خلاف ما تواترت به الآثار عن الصحابة والسلف واتفق عليه الفقهاء وأهل التفسير والحديث وأرباب القلوب من أهل التصوف وما يعرفه عامة العقلاء. والسحر الذي يؤثر مرضاً وثقلاً وحلاًوعقداً وحباً وبغضاً ونزيفاً وغير ذلك من الآثار موجود تعرفه عامة الناس. وكثير منهم قد علمه ذوقاً بما أصيب به منه، وقوله تعالى: {من شر النفاثات في العقد} دليل على أن هذا النفث يضر المسحور في حال غيبته عنه، ولو كان الضرر لا يحصل إلا بمباشرة البدن ظاهراً، كما يقوله هؤلاء لم يكن للنفث ولا للنفاثات شر يستعاذ منه. وأيضاً فإذا جاز على الساحر أن يسحر جميع أعين الناظرين مع كثرتهم حتى يروا الشيء بخلاف ماهو به مع أن هذا تغير في إحساسهم فما الذي يحيل تأثيره في تغيير بعض أعراضهم وقواهم وطباعهم؟ وما الفرق بين التغيير الواقع في الرؤية والتغيير في صفة أخرى من صفات النفس والبدن؟ فإذا غير إحساسه حتى صار يرى الساكن متحركاً والمتصل منفصلاً، والميت حياً، فما المحيل لأن يغير صفات نفسه حتى يجعل المحبوب إليه بغيضاً والبغيض محبوباً، وغير ذلك من التأثيرات. بدائع الفوائد لابن القيم فصل شر الحاسد إذا حسد: ... دل القرآن والسنة على أن نفس حسد الحاسد يؤذي المحسود، فنفس حسده شر يتصل بالمحسود من نفسه وعينه، وإن لم يؤذه بيده ولا لسانه، فإن الله تعالى قال: {ومن شر حاسد إذا حسد} فحقق الشر منه عند صدور الحسد، والقرآن ليس فيه لفظة مهملة. ومعلوم أن الحاسد لا يسمى حاسداً إلا إذا قام به الحسد، كالضارب والشاتم والقاتل ونحو ذلك، ولكن قد يكون الرجل في طبعه الحسد وهو غافل عن المحسود لاه عنه، فإذا خطر على ذكره وقلبه انبعثت نار الحسد من قلبه إليه، ووجهت إليه سهام الحسد من قبله، فيتأذى المحسود بمجرد ذلك، فإن لم يستعذ بالله ويتحصن به، ويكون له أوراد من الأذكار والدعوات والتوجه إلى الله والإقبال عليه، بحيث يدفع عنه من شره بمقدار توجهه وإقباله على الله، وإلا ناله شر الحاسد ولا بد. فقوله تعالى:{إذا حسد} بيان لأن شره إنما يتحقق إذا حصل منه الحسد بالفعل. وقد تقدم في حديث أبي سعيد الصحيح رقية جبريل النبي صلى الله عليه وسلّم وفيها «بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك» فهذا فيه الاستعاذة من شرعين الحاسد. ومعلوم أن عينه لا تؤثر بمجردها إذ لو نظر إليه نظر لاهٍ ساهٍ عنه كما ينظر إلى الأرض والجبل وغيره، لم يؤثر فيه شيئاً، وإنما إذا نظر إليه نظر من قد تكيفت نفسه الخبيثة وانسمت واحتدت فصارت نفساً غضبية خبيثة حاسدة أثرت بها تلك النظرة، فأثرت في المحسود تأثيراً بحسب صفة ضعفه وقوة نفس الحاسد، فربما أعطبه وأهلكه بمنزلة من فوّق سهماً، نحو رجل عريان فأصاب منه مقتلاً وربما صرعه وأمرضه، والتجارب عند الخاصة والعامة بهذا أكثر من أن تذكر. وهذه العين إنما تأثيرها بواسطة النفس الخبيثة، وهي في ذلك بمنزلة الحية التي إنما يؤثر سمها إذا عضت واحتدت فإنها تتكيف بكيفية الغضب والخبث فتحدث فيها تلك الكيفية السم، فتؤثر في اللديغ وربما قويت تلك الكيفية واشتدت في نوع منها حتى تؤثر بمجرد نظرة، فتطمس البصر وتسقط الحبل . بدائع الفوائد فصل العاين والحاسد : والعاين والحاسد يشتركان في شيء ويفترقان في شيء، فيشتركان في أن كل واحد منهما تتكيف نفسه وتتوجه نحو من يريد أذاه. فالعائن تتكيف نفسه عند مقابلة المعين ومعاينته. والحاسد يحصل له ذلك عند غيبة المحسود وحضوره أيضاً. ويفترقان في أن العائن قد يصيب من لا يحسده من جماد أو حيوان أو زرع أو مال، وإن كان لا يكاد ينفك من حسد صاحبه. وربما أصابت عينه نفسه، فإن رؤيته للشيء رؤية تعجب وتحديق مع تكيف نفسه بتلك الكيفية تؤثر في المعين. وقد قال غير واحد من المفسرين في قوله تعالى: {وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر} (سورة القلم الآية 51) : إنه الإصابة بالعين، فأرادوا أن يصيبوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، فنظر إليه قوم من العائنين، وقالوا: ما رأينا مثله ولا مثل حجته. وكان طائفة منهم تمر به الناقة والبقرة السمينة فيعينها ثم يقول لخادمه: خذ المكتل والدرهم وأتنا بشيء من لحمها، فما تبرح حتى تقع فتنحر. بدائع الفوائد يتبع المصدر: نفساني |
|||
|
20-09-2011, 01:27 AM | #2 |
عضو مجلس اداره سابق
|
سبب النظر المؤثر في المنظور : قلت: النظر الذي يؤثر في المنظور قد يكون سببه شدة العداوة والحسد فيؤثر نظره فيه، كما تؤثر نفسه بالحسد، ويقوى تأثير النفس عند المقابلة، فإن العدو إذا غاب عن عدوه قد يشغل نفسه عنه، فإذا عاينه قبلاً اجتمعت الهمة عليه وتوجهت النفس بكليتها إليه، فيتأثر بنظره حتى إن من الناس من يسقط، ومنهم من يحم، ومنهم من يحمل إلى بيته، وقد شاهد الناس من ذلك كثيرا. بدائع الفوائد فصل الحسد يشمل الحاسد من الجن والإنس : وقوله: {من شر حاسد إذا حسد} يعم الحاسد من الجن والإنس، فإن الشيطان وحزبه يحسدون المؤمنين على ما آتاهم الله من فضله، كما حسد إبليس أبانا آدم، وهو عدو لذريته، كما قال تعالى: {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً} (سورة فاطر الآية 6) ولكن الوسواس أخص بشياطين الجن، والحسد أخص بشياطين الإنس، والوسواس يعمهما، كما سيأتي بيانهما، والحسد يعمهما أيضاً. فكلا الشيطانين حاسد موسوس، فالاستعاذة من شر الحاسد تتناولهما جميعاً. فقد اشتملت السورة على الاستعاذة من كل شر في العالم. وتضمنت شروراً أربعة يستعاذ منها: شراً عاماً وهو شر ما خلق، وشر الغاسق إذا وقب، فهذان نوعان: ثم ذكر شر الساحر والحاسد، وهي نوعان أيضاً لأنهما من شر النفس الشريرة وأحدهما يستعين بالشيطان ويعبده وهو الساحر، وقلما يتأتى السحر بدون نوع عبادة للشيطان وتقرب إليه، إما بذبح باسمه أو بذبح يقصد به هو، فيكون ذبحاً لغير الله، وبغير ذلك من أنواع الشرك والفسوق. والساحر وإن لم يسم هذا عبادة للشيطان فهو عبادة له، وإن سماه بما سماه به، فإن الشرك والكفر هو شرك وكفر لحقيقته ومعناه لا لاسمه ولفظه، فمن سجد لمخلوق وقال: ليس هذا بسجود له، هذا خضوع وتقبيل الأرض بالجبهة كما أقبلها بالنعم، أو هذا إكرام لم يخرج بهذه الألفاظ عن كونه سجوداً لغير الله فليسمه بما شاء. وكذلك من ذبح للشيطان ودعاه واستعاذ به وتقرب إليه بما يحب، فقد عبده، وإن لم يسم ذلك عبادة، بل يسميه استخداماً ما، وصدق هو استخدام من الشيطان له، فيصير من خدم الشيطان وعابديه، وبذلك يخدمه الشيطان لكن خدمة الشيطان له ليست خدمة عباده، فإن الشيطان لا يخضع له ويعبده كما يفعل هو به. والمقصود أن هذا عبادة منه للشيطان، وإنما سماه استخداماً. قال تعالى: {ألم أعهد إليكم يابني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين} (سورة يس الآية 60) وقال تعالى:{ويوم يحشرهم جميعاً ثم نقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون، قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون} (سورة سبأ الآيتان 40ـ41) فهؤلاء وأشباههم عباد الجن والشياطين، وهم أولياؤهم في الدنيا والآخرة، ولبئس المولى، ولبئس العشير، فهذا أحد النوعين. والنوع الثاني من يعينه الشيطان وإن لم يستعن به، وهو الحاسد، لأنه نائبه وخليفته، لأن كليهما عدو نعم الله ومنغصها على عباده. بدائع الفوائد فصل تقييد الحاسد بقوله تعالى: {إذا حسد}: وتأمل تقييده سبحانه شر الحاسد بقوله: {إذا حسد} لأن الرجل قد يكون عنده حسد، ولكن يخفيه ولا يرتب عليه أذى بوجه ما، لابقلبه ولا بلسانه ولا بيده، بل يجد في قلبه شيئاً من ذلك، ولا يعاجل أخاه إلا بما يحب الله. فهذا لا يكاد يخلو منه أحد إلا من عصمه الله. وقيل للحسن البصري: أيحسد المؤمن؟ قال: ما أنساك إخوة يوسف. لكن الفرق بين القوة التي في قلبه من ذلك، وهو لا يطيعها ولا يأتمر لها، بل يعصيها طاعة لله وخوفاً وحياء منه وإجلالاً له، أن يكره نعمه على عباده، فيرى ذلك مخالفة لله وبغضاً لما يحب الله ومحبة لما يبغضه، فهو يجاهد نفسه على دفع ذلك ويلزمها بالدعاء للمحسود، وتمني زيادة الخير له، بخلاف ما إذا حقق ذلك وحسده ورتب على حسده مقتضاه من الأذى بالقلب واللسان والجوارح، فهذا الحسد المذموم، هذا كله حسد تمني الزوال. يتبع |
|
20-09-2011, 01:33 AM | #3 |
عضو مجلس اداره سابق
|
وللحسد ثلاث مراتب: أحدها: هذه.
الثانية: تمني استصحاب عدم النعمة، فهو يكره أن يحدث الله لعبده نعمة، بل يحب أن يبقى على حاله من جهله، أو فقره أو ضعفه، أو شتات قلبه عن الله ؟ أو قلة دينه، فهو يتمنى دوام ما هو فيه من نقص وعيب. فهذا حسد على شيء مقدر، والأول حسد على شيء محقق، وكلاهما حاسد عدو نعمة الله وعدو عباده، وممقوت عند الله تعالى وعند الناس، ولا يسود أبداً ولا يواسى، فإن الناس لا يسودون عليهم إلا من يريد الإحسان إليهم، فأما عدو نعمة الله فلا يسودونه باختيارهم أبداً إلا قهراً يعدونه من البلاء والمصائب التي ابتلاهم الله بها، فهم يبغضونه وهو يبغضهم. والحسد الثالث: حسد الغبطة، وهو تمني أن يكون له مثال حال المحسود من غير أن تزول النعمة عنه، فهذا لابأس به، ولا يعاب صاحبه بل هذا قريب من المنافسة، وقد قال تعالى: {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون} (سورة المطففين الآية 26) وفي (الصحيح) عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال: «لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالاً وسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها الناس» فهذا حسد غبظة، الحامل لصاحبه عليه كبر نفسه وحب خصال الخير، والتشبه بأهلها والدخول في جملتهم، وأن يكون من سباقهم وعليتهم ومصلهم لامن فساكلهم فتحدث له من هذه الهمة المنافسة والمسابقة والمسارعة مع محبته لمن يغبطه، وتمني دوام نعمة الله عليه. فهذا لا يدخل في الآية بوجه ما. فهذه السورة من أكبر أدوية المحسود فإنها تتضمن التوكل على الله والالتجاء إليه والاستعاذة به من شر حاسد النعمة، فهو مستعيذ بولي النعم وموليها، كأنه يقول: يامن أولاني نعمته وأسداها إلي أنا عائذ بك من شر من يريد أن يستلبها مني ويزيلها عني، وهو حسب من توكل عليه وكافي من لجأ إليه، وهو الذي يؤمن خوف الخائف، ويجير المستجير، وهو نعم المولى ونعم النصير. فمن تولاه واستنصر به وتوكل عليه وانقطع بكليته إليه تولاه وحفظه وحرسه وصانه، ومن خافه واتقاه أمنه مما يخاف ويحذر وجلب إليه كل ما يحتاج إليه من المنافع {ومن يتق الله يجعل له مخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه} (سورة الطلاق الآيتان 2ـ3) فلا تستبطىء نصره ورزقه وعافيته، فإن الله بالغ أمره، وقد جعل الله لكل شيء قدراً لا يتقدم عنه ولا يتأخر . بدائع الفوائد فصل اندفاع شر الحاسد عن المحسود: ويندفع شر الحاسد عن المحسود بعشرة أسباب: ـ أحدها التعوذ بالله من شره والتحصن به واللجأ إليه، وهو المقصود بهذه السورة، والله تعالى سميع لاستعاذته عليم بما يستعيذ منه، والسمع هنا المراد به سمع الإجابة لا السمع العام، فهو مثل قوله: «سمع الله لمن حمده» وقول الخليل صلى الله عليه وسلّم : {إن ربي لسميع الدعاء} (سورة ابراهيم الآية 39) ، ومرة يقرنه بالعلم ومرة بالبصر، لاقتضاء حال المستعيذ ذلك، فإنه يستعيذ به من عدو يعلم أن الله يراه، ويعلم كيده وشره، فأخبر الله تعالى هذا المستعيذ أنه سميع لاستعاذته، أي مجيب عليم بكيد عدوه يراه ويبصره، لينبسط أمل المستعيذ ويقبل بقلبه على الدعاء. وتأمل حكمة القرآن كيف جاء في الاستعاذة من الشيطان الذي نعلم وجوده ولا نراه بلفظ {السميع العليم} في الأعراف وحم السجدة، وجاءت الاستعاذة من شر الإنس الذين يؤنسون ويرون بالأبصار بلفظ {السميع البصير} في سورة حم المؤمن، فقال: {إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير} (سورة غافر الآية 56) لأن أفعال هؤلاء أفعال معاينة ترى بالبصر. وأما نزع الشيطان فوساوس وخطرات يلقيها في القلب يتعلق بها العلم، فأمر بالاستعاذة بالسميع العليم فيها، وأمر بالاستعاذة بالسميع البصير في باب ما يرى بالبصر ويدرك بالرؤية، والله أعلم. ـ السبب الثاني تقوى الله وحفظه عند أمره ونهيه، فمن اتقى الله تولى الله حفظه ولم يكله إلى غيره، قال تعالى:{وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً} (سورة آل عمران الآية 120) وقال النبي صلى الله عليه وسلّم لعبد الله بن عباس: «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك» فمن حفظ الله حفظه الله ووجده أمامه أينما توجه ومن كان الله حافظه وأمامه فممن يخاف ولمن يحذر؟ ـ السبب الثالث: الصبر على عدوه وأن لا يقابله ولا يشكوه، ولايحدث نفسه بأذاه أصلاً، فما نصر على حاسده وعدوه بمثل الصبر عليه والتوكل على الله ، ولا يستطيل تأخيره وبغيه فإنه كلما بغى عليه كان بغيه جنداً وقوة للمبغى عليه المحسود، يقاتل به الباغي نفسه وهو لا يشعر. فبغيه سهام يرميها من نفسه إلى نفسه، ولو رأى المبغي عليه ذلك لسره بغيه عليه، ولكن لضعف بصيرته لا يرى إلا صورة البغي دون آخره ومآله، وقد قال تعالى: {ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله} (سورة الحج الآية 60) فإذا كان الله قد ضمن له النصر مع أنه قد استوفى حقه أولاً، فكيف بمن لم يستوف شيئاً من حقه، بل بغي عليه وهو صابر ؟ وما من الذنوب ذنب أسرع عقوبة من البغي وقطيعة الرحم، وقد سبقت سنة الله أنه لو بغى جبل على جبل جعل الباغي منهما دكاً. السبب الرابع: التوكل على الله، فمن يتوكل على الله فهو حسبه، والتوكل من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق وظلمهم وعدوانهم، وهو من أقوى الأسباب في ذلك، فإن الله حسبه، أي كافيه، ومن كان الله كافيه وواقيه فلا مطمع فيه لعدو، ولا يضره إلا أذى لا بد منه كالحر والبرد والجوع والعطش، وأما أن يضره بما يبلغ منه مراده فلا يكون أبداً. وفرق بين الأذى الذي هو في الظاهر إيذاء له، وهو في الحقيقة إحسان إليه وإضرار بنفسه، وبين الضرر الذي يتشفى به منه. قال بعض السلف: جعل الله لكل عمل جزاء من جنسه، وجعل جزاء التوكل عليه نفس كفايته لعبده، فقال: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} (سورة الطلاق الآية 3) ولم يقل: نؤته كذا وكذا من الأجر، كما قال في الأعمال، بل جعل نفسه سبحانه كافي عبده المتوكل عليه وحسبه وواقيه، فلو توكل العبد على الله حق توكله وكادته السموات والأرض ومن فيهن لجعل له مخرجاً من ذلك وكفاه ونصره... السبب الخامس: فراغ القلب من الاشتغال به والفكر فيه، وأن يقصد محوه من باله كلما خطر له، فلا يلتفت إليه ولايخافه ولا يملأ قلبه بالفكر فيه. وهذا من أنفع الأدوية وأقوى الأسباب المعينة على اندفاع شره، فإن هذا بمنزلة من يطلبه عدوه ليمسكه ويؤذيه، فإذا لم يتعرض له ولا تماسك هو وإياه، بل انعزل عنه لم يقدر عليه، فإذا تماسكا وتعلق كل منهما بصاحبه حصل الشر، وهكذا الأرواح سواء فإذا علق روحه وشبثها به، وروح الحاسد الباغي متعلقة به يقظة ومناماً لا يفتر عنه، وهو يتمنى أن يتماسك الروحان ويتشبثا، فإذا تعلقت كل روح منهما بالأخرى عدم القرار ودام الشر حتى يهلك أحدهما، فإذا جبذ روحه عنه وصانها عن الفكر فيه والتعلق به، وأن لا يخطره بباله، فإذا خطر بباله بادر إلى محو ذلك الخاطر والاشتغال بما هو أنفع له وأولى به، بقي الحاسد الباغي يأكل بعضه بعضاً، فإن الحسد كالنار فإذا لم تجد ما تأكله أكل بعضها بعضاً. وهذا باب عظيم النفع لا يلقاه إلا أصحاب النفوس الشريفة والهمم العلية... السبب السادس: وهو الإقبال على الله والإخلاص له، وجعل محبته وترضيه والإنابة إليه في محل خواطر نفسه، وأمانيها تدب فيها دبيب تلك الخواطر شيئاً فشيئاً حتى يقهرها ويغمرها ويذهبها بالكلية، فتبقى خواطره وهواجسه وأمانيه كلها في محاب الرب والتقرب إليه وتملقه وترضيه واستعطافه وذكره، كما يذكر المحب التام المحبة لمحبوبه المحسن إليه الذي قد امتلأت جوانحه من حبه فلا يستطيع قلبه انصرافاً عن ذكره، ولا روحه انصرافاً عن محبته، فإذا صار كذلك فكيف يرضى لنفسه أن يجعل بيت إنكاره وقلبه معموراً بالفكر في حاسده والباغي عليه، والطريق إلى الانتقام منه والتدبير عليه؟ هذا مالا يتسع له إلا قلب خراب لم يسكن فيه محبة الله وإجلاله وطلب مرضاته، بل إذا مسه طيف من ذلك واجتاز ببابه من خارج ناداه حرس قلبه: إياك وحمى الملك، اذهب إلى بيوت الخانات التي كل من جاء فيها ونزل بها مالك ولبيت السلطان الذي أقام عليه اليزك وأدار عليه الحرس وأحاطه بالسور. قال تعالى حكاية عن عدوه إبليس أنه قال: {فبعزتك لأغوينهم أجمعين، إلا عبادك منهم المخلصين} (سورة ص الآيتان 82ـ83) قال تعالى: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان} (سورة الحجر الآية 42) وقال: {إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون، إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون} (سورة النحل الآيتان 99ـ100)، وقال في حق الصديق يوسف صلى الله عليه وسلّم :{كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين} (سورة يوسف الآية 24) فما أعظم سعادة من دخل هذا ????? وصار داخل اليزك لقد آوى إلى حصن لا خوف على من تحصن به، ولا ضيعة على من آوى إليه، ولا مطمع للعدو في الدنو إليه منه {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم} (سورة الحديد الآية 21) . يتبع |
|
20-09-2011, 01:39 AM | #4 |
عضو مجلس اداره سابق
|
السبب السابع: تجريد التوبة إلى الله من الذنوب التي سلطت عليه أعداءه، فإن الله تعالى يقول: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم} (سورة الشورى الآية 30) وقال لخير الخلق وهم أصحاب نبيه دونه صلى الله عليه وسلّم : {أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم} (سورة آل عمران الآية 165) فما سلط على العبد من يؤذيه إلا بذنب يعلمه أولا يعلمه، وما لايعلمه العبد من ذنوبه أضعاف ما يعلمه منها، وما ينساه مما علمه وعمله أضعاف ما يذكره. وفي الدعاء المشهور: «اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم» فما يحتاج العبد إلى الاستغفار منه مما لا يعلمه أضعاف أضعاف ما يعلمه، فما سلط عليه مؤذ إلا بذنب. ولقي بعض السلف رجل فأغلظ له ونال منه، فقال له: قف حتى أدخل البيت ثم أخرج إليك، فدخل فسجد لله وتضرع إليه وتاب إلى ربه، ثم خرج إليه فقال: ما صنعت ؟ فقال: تبت إلى الله من الذنب الذي سلطك به علي وسنذكر إن شاء الله تعالى أنه ليس في الوجود شر إلا الذنوب وموجباتها، فإذا عوفي من الذنوب عوفي من موجباتها، فليس للعبد إذا بغي عليه وأوذي وتسلط عليه خصومه شيء أنفع له من التوبة النصوح. وعلامة سعادته أن يعكس فكره ونظره على نفسه وذنوبه وعيوبه، فيشتغل بها وبإصلاحها وبالتوبة منها، فلا يبقى فيه فراغ لتدبر ما نزل به، بل يتولى هو التوبة وإصلاح عيوبه، والله يتولى نصرته وحفظه والدفع عنه ولا بد، فما أسعده من عبد وما أبركها من نازلة نزلت به، وما أحسن أثرها عليه ولكن التوفيق والرشد بيد الله، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، فما كل أحد يوفق لهذا لا معرفة به ولا إرادة له ولا قدرة عليه، ولا حول ولا قوة إلا بالله. السبب الثامن: الصدقة والإحسان ما أمكنه، فإن لذلك تأثيراً عجيباً في دفع البلاء ودفع العين وشر الحاسد، ولو لم يكن في هذا إلا تجارب الأمم قديماً وحديثاً لكفى به، فما يكاد العين والحسد والأذى يتسلط على محسن متصدق، وإن أصابه شيء من ذلك كان معاملاً فيه باللطف والمعونة والتأييد، وكانت له فيه العاقبة الحميدة. فالمحسن المتصدق في خفارة إحسانه وصدقته عليه من الله جنة واقية وحصن حصين. وبالجملة فالشكر حارس النعمة من كل ما يكون سبباً لزوالها. ومن أقوى الأسباب حسد الحاسد والعائن، فإنه لا يفتر ولا يني، ولا يبرد قلبه حتى تزول النعمة عن المحسود، فحينئذ يبرد أنينه وتنطفىء ناره، لا أطفأها الله. فما حرس العبد نعم الله عليه بمثل شكرها، ولا عرضها للزوال بمثل العمل فيها بمعاصي الله، وهو كفران النعمة وهو باب إلى كفران المنعم . فالمحسن المتصدق يستخدم جنداً وعسكراً يقاتلون عنه وهو نائم على فراشه، فمن لم يكن له جند ولا عسكر وله عدو فإنه يوشك أن يظفر به عدوه وإن تأخرت مدة الظفر، والله المستعان. السبب التاسع: وهو من أصعب الأسباب على النفس وأشقها عليها، ولا يوفق له إلا من عظم حظه من الله: وهو طفي نار الحاسد والباغي والمؤذي بالإحسان إليه، فكما ازداد أذى وشراً وبغياً وحسداً ازددت إليه إحساناً وله نصيحة وعليه شفقة وما أظنك تصدق بأن هذا يكون فضلاً عن أن تتعاطاه. فاسمع الآن قوله عزوجل: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم، وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم} (سورة فصلت الآيات 34ـ36) وقال: {أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون} (سورة القصص الآية 54) وتأمل حال النبي صلى الله عليه وسلّم الذي حكى عنه نبينا صلى الله عليه وسلّم أنه ضربه قومه حتى أدموه، فجعل يسلت الدم عنه ويقول: «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون» كيف جمع في هذه الكلمات أربع مقامات من الإحسان قابل بها إساءتهم العظيمة إليه: ـ أحدها عفوه عنهم. ـ والثاني استغفاره لهم. ـ والثالث: اعتذاره عنهم بأنهم لا يعلمون. ـ والرابع: استعطافه لهم بإضافتهم إليه فقال: «اغفر لقومي» كما يقول الرجل لمن يشفع عنده فيمن يتصل به هذا ولدي هذا غلامي هذا صاحبي، فهبه لي. واسمع الآن ما الذي يسهل هذا على النفس ويطيبه إليها وينعمها به: اعلم أن لك ذنوباً بينك وبين الله تخاف عواقبها وترجوه أن يعفو عنها ويغفرها لك ويهبها لك. ومع هذا لا يقتصر على مجرد العفو والمسامحة حتى ينعم عليك ويكرمك ويجلب إليك من المنافع والإحسان فوق ما تؤمله، فإذا كنت ترجو هذا من ربك أن يقابل به إساءتك، فما أولاك وأجدرك أن تعامل به خلقه وتقابل به إساءتهم ؟ ليعاملك الله هذه المعاملة، فإن الجزاء من جنس العمل، فكما تعمل مع الناس في إساءتهم في حقك يفعل الله معك في ذنوبك وإساءتك جزاء وفاقاً، فانتقم بعد ذلك أو اعف وأحسن، أو اترك، وكما تدين تدان، وكما تفعل مع عباده يفعل معك. فمن تصور هذا المعنى وشغل به فكره هان عليه الإحسان إلى من أساء إليه. هذا مع ما يحصل له بذلك من نصر الله ومعونته ومعيته الخاصة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلّم للذي شكى إليه قرابته وأنه يحسن إليهم وهم يسيئون إليه، فقال: «لايزال معك من الله ظهير ما دمت على ذلك» هذا مع ما يتعجله من ثناء الناس عليه ويصيرون كلهم معه على خصمه، فإنه كل من سمع أنه محسن إلى ذلك الغير وهو مسيء إليه وجد قلبه ودعاءه وهمته مع المحسن على المسيء، وذلك أمر فطري فطر الله عليه عباده. فهو بهذا الإحسان قد استخدم عسكراً لا يعرفهم ولا يعرفونه ولا يريدون منه إقطاعاً ولا خبزاً هذا مع أنه لا بد له مع عدوه وحاسده من إحدى حالتين: إما أن يملكه بإحسانه فيستعبده وينقاد له، ويذل له ويبقى من أحب الناس إليه، وإما أن يفتت كبده ويقطع دابره إن أقام على إساءته إليه، فإنه يذبحه بإحسانه أضعاف ما ينال منه بانتقامه، ومن جرب هذا عرفه حق المعرفة، والله هو الموفق المعين، بيده الخير كله لا إله غيره، وهو المسؤول أن يستعملنا وإخواننا في ذلك بمنه وكرمه. .. السبب العاشر: وهو الجامع لذلك كله وعليه مدار هذه الأسباب، وهو تجريد التوحيد والترحل بالفكر في الأسباب إلى المسبب العزيز الحكيم، والعلم بأن هذه الآيات بمنزلة حركات الرياح وهي بيد محركها وفاطرها وبارئها، ولا تضر ولا تنفع إلا بإذنه، فهو الذي يحسن عبده بها، وهو الذي يصرفها عنه وحده، لا أحد سواه، قال تعالى: {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله} (سورة هود الآية 107) وقال النبي صلى الله عليه وسلّم لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما: «واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك» فإذا جرد العبد التوحيد لله خرج من قلبه خوف ما سواه، وكان عدوه أهون عليه من أن يخافه مع الله، بل تفرد الله بالمخافة وقد أمنه منه، وخرج من قلبه اهتمامه به واشتغاله به وفكره فيه، وتجرد لله محبة وخشية وإنابة وتوكلاً واشتغالاً به عن غيره، فيرى أن إعماله فكره في أمر عدوه وخوفه منه واشتغاله به من نقص توحيده، وإلا فلو جرد توحيده لكان له فيه شغل شاغل، والله يتولى حفظه والدفع عنه، فإن الله يدافع عن الذين آمنوا، فإن كان مؤمناً فالله يدافع عنه ولا بد، وبحسب إيمانه يكون دفاع الله عنه، فإن كمل إيمانه كان دفع الله عنه أتم دفع، وإن مزج مزج له، وإن كان مرة ومرة فالله له مرة ومرة، كما قال بعض السلف: من أقبل إلى الله بكليته أقبل الله عليه جملة، ومن أعرض عن الله بكليته أعرض الله عنه جملة، ومن كان مرة ومرة فالله له مرة ومرة. فالتوحيد حصن الله الأعظم الذي من دخله كان من الآمنين، قال بعض السلف: من خاف الله خافه كل شيء، ومن لم يخف الله أخافه من كل شيء. فهذه عشرة أسباب يندفع بها شر الحاسد والعائن والساحر، وليس له أنفع من توجهه إلى الله وإقباله عليه وتوكله عليه وثقته به، وأن لا يخاف معه غيره، بل يكون خوفه منه وحده، ولا يرجو سواه، بل يرجوه وحده ولا يعلق قلبه بغيره، ولا يستغيث بسواه، ولا يرجو إلا إياه، ومتى علق قلبه بغيره ورجاه وخافه وكل إليه وخذل من جهته، فمن خاف شيئاً غير الله سلط عليه، ومن رجا شيئاً سوى الله خذل من جهته وحرم خيره، هذه سنة الله في خلقه، لن تجد لسنة الله تبديلاً. بدائع الفوائد يتبع |
|
20-09-2011, 01:47 AM | #5 |
عضو مجلس اداره سابق
|
فيما يعتصم به العبد من الشيطانويستدفع به شره ويحترز به منه
ولذلك عشرة أسباب: ـ أحدها الاستعاذة بالله منه. قال تعالى: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم} (سورة فصلت الآية 36) وفي موضع آخر: {إنه سميع عليم} (سورة الأعراف الآية 200) وقد تقدم أن السمع المراد به هاهنا سمع الإجابة لا مجرد السمع العام. وتأمل سر القرآن كيف أكد الوصف بالسميع العليم بذكر صيغة هو الدال على تأكيد النسبة واختصاصها، وعرف الوصف بالألف واللام في سورة {حم} لاقتضاء المقام لهذا التأكيد، وتركه في سورة الأعراف لاستغناء المقام عنه، فإن الأمر بالاستعاذة في سورة {حم} وقد بعد الأمر بأشق الأشياء على النفس وهو مقابلة إساءة المسيء بالإحسان إليه، وهذا أمر لا يقدر عليه إلا الصابرون {وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم} (سورة فصلت الآية 35) كما قال الله تعالى. والشيطان لا يدع العبد يفعل هذا بل يريه أن هذا ذل وعجز، ويسلط عليه عدوه فيدعوه إلى الانتقام ويزينه له، فإن عجز عنه دعاه إلى الإعراض عنه، وأن لا يسيء إليه ولا يحسن، فلا يؤثر الإحسان إلى المسيء إلا من خالفه وآثر الله وما عنده على حظه العاجل، فكان المقام مقام تأكيد وتحريض فقال فيه: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم} (سورة فصلت الآية 36) وأما في سورة الأعراف فإنه أمره أن يعرض عن الجاهلين، وليس فيها الأمر بمقابلة إساءتهم بالإحسان، بل بالإعراض، وهذا سهل على النفوس غير مستعص عليها، فليس حرص الشيطان وسعيه في دفع هذا كحرصه على دفع المقابلة بالإحسان، فقال: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم} (سورة الأعراف الآية 200)، وقد تقدم ذكر الفرق بين هذين الموضعين وبين قوله في حم المؤمن: {فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير (سورة غافر الآية 56)ـ وفي (صحيح البخاري) عن عدي بن ثابت، عن سليمان بن صرد، قال: «كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلّم ورجلان يستبان فأحدهما احمر وجهه وانتفخت أوداجه، فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد لو قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ذهب عنه ما يجد». ـ الحرز الثاني: قراءة هاتين السورتين، فإن لهما تأثيراً عجيباً في الاستعاذة بالله من شره ودفعه والتحصن منه. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلّم : «ماتعوذ المتعوذون بمثلهما» وقد تقدم أنه كان يتعوذ بهما كل ليلة عند النوم، وأمر عقبة أن يقرأ بهما دبر كل صلاة. وتقدم قوله صلى الله عليه وسلّم : «إن من قرأهما مع سورة الإخلاص ثلاثاً حين يمسي وثلاثاً حين يصبح كفته من كل شيء». الحرز الثالث: قراءة آية الكرسي، ففي (الصحيح) من حديث محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: «وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلّم بحفظ زكاة رمضان، فأتى آت فجعل يحثو من الطعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فذكر الحديث، فقال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي فإنه لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فقال النبي صلى الله عليه وسلّم : صدقك وهو كذوب، ذاك الشيطان». وسنذكر إن شاء الله تعالى السر الذي لأجله كان لهذه الآية العظيمة هذا التأثير العظيم في التحرز من الشيطان واعتصام قارئها بها في كلام مفرد عليها وعلى أسرارها وكنوزها بعون الله وتأييده. ـ الحرز الرابع: قراءة سورة البقرة، ففي (الصحيح) من حديث سهل عن أبيه عبد الله عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، وإن البيت الذي تقرأ فيه البقرة لا يدخله الشيطان». ـ الحرز الخامس: خاتمة سورة البقرة، فقد ثبت في (الصحيح) من حديث أبي مسعود الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : «من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه» وفي الترمذي عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «إن الله كتب كتاباً قبل أن يخلق الخلق بألفي عام، أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة، فلا يقرآن في دار ثلاث ليال فيقربها شيطان». ـ الحرز السادس: أول سورة حم المؤمن إلى قوله {إليه المصير} مع آية الكرسي، ففي (الترمذي) من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر عن ابن أبي مليكة، عن زرارة بن مصعب، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : «من قرأ {حم المؤمن} إلى {إليه المصير} وآية الكرسي حين يصبح حفظ بهما حتى يمسي، ومن قرأهما حين يمسي حفظ بهما حتى يصبح» وعبد الرحمن المليكي وإن كان قد تكلم فيه من قبل حفظه، فالحديث له شواهد في قراءة آية الكرسي وهو محتمل على غرابته. ـ الحرز السابع: لاإله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، مائة مرة، ففي (الصحيحين) من حديث سمي مولى أبي بكر، عن أبي صالح، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «من قال لاإله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءقدير، في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر من ذلك». فهذا حرز عظيم النفع جليل الفائدة يسير سهل على من يسره الله تعالى عليه. الحرز الثامن: وهو من انفع الحروز من الشيطان كثرة ذكر الله عز وجل، ففي (الترمذي) من حديث الحارث الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، وأنه كاد أن يبطىء بها، فقال عيسى: إن الله امرك بخمس كلمات لتعمل بها وتأمر بني اسرائيل أن يعملوا بها، فإما أن تأمرهم وإما أن آمرهم، فقال يحيى: أخشى إن سبقتني بها أن يخسف بي أو أعذب فجمع الناس في بيت المقدس فامتلأ وقعدوا على الشرف، فقال: إن الله أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهن وآمركم أن تعملوا بهن، أولهن أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وأن مثل من أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبداً من خالص ماله بذهب أو ورق، فقال: هذه داري وهذا عملي فاعمل وأد إلي، فكان يعمل ويؤدي إلى غير سيده، فأيكم يرضى أن يكون عبده كذلك، وأن الله يأمركم بالصلاة فإذا صليتم فلا تلتفتوا، فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت. وأمركم بالصيام فإن مثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرة فيها مسك، فكلهم يعجب أو يعجبه ريحها، وإن ريح الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. وأمركم بالصدقة فإن مثل ذلك كمثل رجل أسره العدو فأوثقوا يده إلى عنقه وقدموه ليضربوا عنقه، فقال: أنا أفديه منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم. وأمركم أن تذكروا الله، فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعاً حتى أتى على حصن حصين، فأحرز نفسه منهم، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله، قال النبي صلى الله عليه وسلّم وأنا آمركم بخمس، الله أمرني بهن: السمع والطاعة، والجهاد، والهجرة، والجماعة، فإن من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، إلا أن يراجع، ومن ادعى دعوى الجاهلية فإنه من حثاء جهنم، فقال رجل: يارسول الله وإن صلى وصام؟ قال: وإن صلى وصام فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين المؤمنين عباد الله». قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب صحيح. وقال البخاري: الحارث الأشعري له صحبة وله غير هذا الحديث. فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلّم في هذا الحديث أن العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله، وهذا بعينه هو الذي دلت عليه سورة {قل أعوذ برب الناس} فإنه وصف الشيطان فيها بأنه الخناس، والخناس الذي إذا ذكر العبد الله انخنس وتجمع وانقبض، وإذا غفل عن ذكر الله التقم القلب وألقى إليه الوساوس التي هي مبادىء الشر كله، فما أحرز العبد نفسه من الشيطان بمثل ذكر الله عزوجل. الحرز التاسع: الوضوء والصلاة، وهذا من أعظم ما يتحرز به منه ولا سيما عند ثوران قوة الغضب والشهوة، فإنها نار تغلي في قلب ابن آدم كما في (الترمذي) من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال: «ألا وإن الغضب جمرة في قلب ابن آدم أما رأيتم إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه، فمن أحس بشيء من ذلك فليلصق بالأرض». وفي أثر آخر: «إن الشيطان خلق من نار، وإنما تطفأ النار بالماء» فما أطفأ العبد جمرة الغضب والشهوة بمثل الوضوء والصلاة، فإنها نار والوضوء يطفئها، والصلاة إذا وقعت بخشوعها والإقبال فيها على الله أذهبت أثر ذلك كله، وهذا أمر تجربته تغني عن إقامة الدليل عليه. ـ الحرز العاشر: إمساك فضول النظر والكلام والطعام ومخالطة الناس، فإن الشيطان إنما يتسلط على ابن آدم وينال منه غرضه من هذه الأبواب الأربعة، فإن فضول النظر يدعو إلى الاستحسان ووقوع صورة المنظور إليه في القلب والاشتغال به، والفكرة في الظفر به، فمبدأ الفتنة من فضول النظر كما في (المسند) عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال: «النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، فمن غض بصره لله أورثه الله حلاوة يجدها في قلبه إلى يوم يلقاه» أو كما قال صلى الله عليه وسلّم ، فالحوادث العظام إنما جعلها من فضول النظر، فكم نظرة أعقبت حسرات لا حسرة، كما قال الشاعر: كل الحـوادث مبـداها من النـظـر يتبع |
|
20-09-2011, 01:50 AM | #6 |
عضو مجلس اداره سابق
|
ومعظم النار من مستصغر الشـرر
كم نظـرة فتكـت في قلـب صاحبها فتـك السـهـام بلا قـوس ولاوتـر وقال الآخر: وكـنت متى أرسـلت طرفـك رائداً لقلبـك يومـاً أتعبتـك المنـاظـر رأيـت الـذي لا كلـه أنـت قـادر عليـه ولا عـن بعضـه أنـت صابـر وقال المتنبي: وأنا الذي جلب المنية طرفه فمن المطالب والقتيل القاتل ولي من أبيات: يارامياً بسهام اللحظ مجتهداً أنت القتيل بما ترمي فلا تصب وباعث الطرف يرتاد الشفاء له توقّه أنه يرتد بالعطب ترجو الشفاء بأحداق بها مرض فهل سمعت ببرء جاء من عطب ومفنياً نفسه في أثر أقبحهم وصفا للطخ جمال فيه مستلب وواهباً عمره من مثل ذا سفها لو كنت تعرف قدر العمر لم تهب وبائعاً طيب عيش ماله خطر بطيف عيش من الآلام منتهب غـبـنـت والله غبنـاً فاحشـاً فـلـو اسـ ـترجعت ذا العقد لم تغبن ولم تخـب ووارداً صفو عيش كله كدر أمامك الورد صفواً ليس بالكذب وحاطب الليل في الظلماء منتصباً لكل داهية تدنو من العطب شاب الصبا والتصابي بعد لم يشب وضاع وقتك بين اللهو واللعب وشمس عمرك قد حان الغروب لها والضي في الأفق الشرقي لم يغب وفاز بالوصل من قد فاز وانقشعت عن أفقه ظلمات الليل والسحب كـم ذا التخـلـف والدنيا قد ارتحـلـت ورسـل ربك قد وافتـك في الطـلـب ما في الديار وقد سارت ركائب من تهواه للصب من سكنى ولا أرب فأفـرش الخـد ذيـاك التـراب وقـل ما قاله صـاحـب الأشواق في الحقب ماربع مية محفوفاً يطوف به غيلان أشهى له من ربعك الخرب ولا الخدود وإن أدمين من ضرج أشهى إلى ناظري من خدك الترب منازلاً كان يهواها ويألفها أيام كان منال الوصل عن كثب فكلما جليت تلك الربوع له يهوي إليها هوي الماء في صبب أحيا له الشوق تذكار العهود بها فلو دعا القلب للسلوان لم يجب هذا وكم منـزل في الأرض يألفـه وماله في سـواها الدهر من رغب ما في الخيام أخو وجد يريحك إن بثثته بعض شأن الحب فاغترب وأسر في غمرات الليل مهتدياً بنفحة الطيب لا بالنار والحطب وعـاد كل أخي جبن ومعجزة وحارب النفس لا تلقيك في الحرب وخذ لنفسك نوراً تستضيء به يوم اقتسام الورى الأنوار بالرتب فالجسـر ذو ظلمـات ليـس يقطعـه إلا بنـور ينجـي العبـد في الكـرب والمقصود أن فضول النظر أصل البلاء، وأما فضول الكلام فإنها تفتح للعبد أبواباً من الشر كلها مداخل للشيطان، فإمساك فضول الكلام يسد عنه تلك الأبواب كلها، وكم من حرب جرتها كلمة واحدة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلّم لمعاذ: «وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم» وفي (الترمذي) أن رجلاً من الأنصار توفي فقال بعض الصحابة: طوبى له، فقال النبي صلى الله عليه وسلّم : «فما يدريك فلعله تكلم بما لا يعنيه أو بخل بما لا ينقصه». وأكثر المعاصي إنما تولدها عن فضول الكلام والنظر، وهما اوسع مداخل الشيطان، فإن جارحتيهما لا يملان ولا يسأمان، بخلاف شهوة البطن فإنه إذا امتلأ لم يبق فيه إرادة للطعام، وأما العين واللسان فلو تركا لم يفترا من النظر والكلام، فجنايتهما متسعة الأطراف كثيرة الشعب عظيمة الآفات وكان السلف يحذرون من فضول النظر كما يحذرون من فضول الكلام، وكانوا يقولون: ما شيء أحوج إلى طول السجن من اللسان.... بدائع الفوائد فصل فيما يقوله ويفعله من ابتلي بالوسواس، وما يستعين به على الوسوسة : روى صالح بن كيسان، عن عبـيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن مسعود يرفعه: «إن للملك الموكل بقلب ابن آدم لمّةً، وللشيطان لمةً، فلمة الملك إيعادٌ بالخير، وتصديقٌ بالحق، ورجاء صالح ثوابه. ولمة الشيطان، إيعادٌ بالشر، وتكذيبٌ بالحق، وقنوطٌ من الخير، فإذا وجدتم لمة الملك، فاحمدوا الله، وسلوه من فضله، وإذا وجدتم لمة الشيطان، فاستعيذوا بالله واستغفروه». وقال له عثمان بن أبـي العاص: يا رسول الله إن الشيطان قد حال بـيني وبـين صلاتي وقراءتي، قال: «ذاك شيطانٌ يقال له: خنزبٌ، فإذا أحسسته، فتعوذ بالله منه، واتفل عن يسارك ثلاثاً». وشكى إليه الصحابة أن أحدهم يجد في نفسه ــــ يعرض بالشيء ــــ لأن يكون حممةً أحبّ إليه من أن يتكلم به، فقال: «الله أكبر، الله أكبر، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة». وأرشد من بلي بشيءٍ من وسوسة التسلسل في الفاعلين، إذا قيل له: هذا الله خلق الخلق، فمن خلق الله؟ أن يقرأ: {هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيءٍ عليمٌ}. كذلك قال ابن عباسٍ لأبـي زميل سماك بن الوليد الحنفي وقد سأله: ما شيءٌ أجده في صدري، قال: ما هو؟ قال: قلت: والله لا أتكلم به. قال: فقال لي: أشيء من شك؟ قلت: بلى، فقال لي: ما نجا من ذٰلك أحد، حتى أنزل الله عز وجل: {فإن كنت في شكَ مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك}. قال: فقال لي: فإذا وجدت في نفسك شيئاً، فقل: {هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيءٍ عليمٌ}. يتبع |
|
20-09-2011, 01:55 AM | #7 |
عضو مجلس اداره سابق
|
فأرشدهم بهٰذه الآية إلى بطلان التسلسل الباطل ببديهة العقل، وأن سلسلة المخلوقات في ابتدائها تنتهي إلى أولٍ ليس قبله شيء، كما تنتهي في آخرها إلى آخر ليس بعده شيء، كما أن ظهوره هو العلوّ الذي ليس فوقه شيء، وبطونه هو الإحاطة التي لا يكون دونه فيها شيء، ولو كان قبله شيء يكون مؤثّراً فيه، لكان ذلك هو الرب الخلاق، ولا بد أن ينتهي الأمر إلى خالقٍ غير مخلوقٍ، وغني عن غيره، وكلّ شيء فقير إليه، قائم بنفسه، وكل شيء قائم به، موجود بذاته، وكل شيء موجود به. قديمٌ لا أول له، وكلّ ما سواه فوجوده بعد عدمه، باقٍ بذاته، وبقاء كل شيء به، فهو الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، الظاهر الذي ليس فوقه شيء، الباطن الذي ليس دونه شيء. وقال : «لا يزال الناس يتساءلون حتى يقول قائلهم: هذا الله خلق الخلق، فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئاً، فليستعذ بالله ولينته»، وقد قال تعالى: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغٌ فاستعذ بالله، إنه هو السميع العليم}. ولما كان الشيطان على نوعين: نوعٍ يرى عياناً، وهو شيطان الإنس، ونوعٍ لا يرى، وهو شيطان الجن، أمر سبحانه وتعالى نبـيه أن يكتفي من شر شيطان الإنس بالإعراض عنه، والعفو، والدفع بالتي هي أحسن، ومن شيطان الجن بالاستعاذة بالله منه، وجمع بـين النوعين في سورة «الأعراف» وسورة «المؤمنين» وسورة «فصلت» والاستعاذة في القراءة والذكر أبلغ في دفع شر شياطين الجن، والعفو والإعراض والدفع بالإحسان أبلغ في دفع شر شياطين الإنس. قال: فما هو إلا الاستعاذة ضارعاً أو الدفع بالحسنىٰ هما خير مطلوب فهٰذا دواء الداء من شر ما يرى وذاك دواء الداء من شرّ محجوب . زاد المعاد فصل في هديه في علاج الصرع : أخرجا في «الصحيحين» من حديث عطاء بن أبـي رباح، قال: قال ابن عباس: ألا أريك امرأةً من أهل الجنة؟ قلت: بلى. قال: هٰذه المرأة السوداء، أتت النبـي فقالت: إني أصرع، وإني أتكَشف، فادع الله لي، فقال: «إن شئت صَبَرت وَلَك الجَنة، وأَن شئت دَعَوت الله لَك أَن يعافيَك»، فقالت: أصبر. قالت: فإني أتكشف، فادع الله أن لا أتكشف، فدعا لها. قلت: الصرع صرعان: صرع من الأرواح الخبـيثة الأرضية، وصرعٌ من الأخلاط الرديئة. والثاني: هو الذي يتكلم فيه الأطباء في سببه وعلاجه. وأما صرع الأرواح، فأئمتهم وعقلاؤهم يعترفون به، ولا يدفعونه، ويعترفون بأن علاجه بمقابلة الأرواح الشريفة الخيرة العلوية لتلك الأرواح الشريرة الخبـيثة، فتدافع آثارها، وتعارض أفعالها وتبطلها، وقد نص على ذلك بقراط في بعض كتبه، فذكر بعضَ علاج الصرع، وقال: هذا إنما ينفع من الصرع الذي سببه الأخلاط والمادة. وأما الصرع الذي يكون من الأرواح، فلا ينفع فيه هذا العلاج. وأما جهلة الأطباء وسَقَطهم وسفلَتهم، ومن يعتقد بالزندقة فضيلة، فاؤلئك ينكرون صرع الأرواح، ولا يقرون بأنها تؤثر في بدن المصروع، وليس معهم إلا الجهل، وإلا فليس في الصناعة الطبـية ما يدفع ذلك، والحسّ والوجود شاهد به، وإحالتهم ذلك على غلبة بعض الأخلاط، هو صادق في بعض أقسامه لا في كلها. وقدماء الأطباء كانوا يسمون هذا الصرعَ: المرضَ الإلٰهيَ، وقالوا: إنه من الأرواح، وإما جالينوس وغيره، فتأولوا عليهم هٰذه التسمية، وقالوا: إنما سموه بالمرض الإلهي لكون هذه العلة تحدث في الرأس، فتضر بالجزء الإلهي الطاهر الذي مسكنه الدماغ. وهذا التأويل نشأ لهم من جهلهم بهٰذه الأرواح وأحكامها، وتأثيراتها، وجاءت زنادقة الأطباء فلم يثبتوا إلا صرع الأخلاط وحده. ومن له عقل ومعرفة بهذه الأرواح وتأثيراتها يضحَك من جهل هٰؤلاء وضعف عقولهم. وعلاج هذا النوع يكون بأمرين: أمرٍ من جهة المصروع، وأمرٍ من جهة المعالج، فالذي من جهة المصروع يكون بقوة نفسه، وصدق توجهه إلى فاطر هذه الأرواح وبارئها، والتعوّذ الصحيح الذي قد تواطأ عليه القلب واللسان، فإن هذا نوع محاربة، والمحَارب لا يتم له الانتصاف من عدوه بالسلاح إلا بأمرين: أن يكون السلاح صحيحاً في نفسه جيداً، وأن يكون الساعد قوياً، فمتى تخلف أحدهما لم يغن السلاح كثيرَ طائل، فكيف إذا عدمَ الأمران جميعاً، يكون القلب خراباً من التوحيد، والتوكل، والتقوى، والتوجه، ولا سلاح له. والثاني: من جهة المعالج، بأن يكون فيه هٰذان الأمران أيضاً، حتى إن من المعالجين من يكتفي بقوله: أخرج منه. أو بقول: بسم الله، أو بقول لا حول ولا قوة إلا بالله، والنبـيّ كان يقول: «أخرج عدو الله أنا رسول الله». وشاهدت شيخنا يرسل إلى المصروع من يخاطب الروح التي فيه، ويقول: قال لك الشيخ: اخرجي، فإن هذا لا يحلّ لك، فيفيق المصروع وربما خاطبها بنفسه، وربما كانت الروح ماردة فيخرجها بالضرب، فيفيق المصروع ولا يحس بألم، وقد شاهدنا نحن وغيرنا منه ذلك مراراً. وكان كثيراً ما يقرأ في أذن المصروع: {أَفَحَسبتم أَنما خَلَقنَاكم عَبَثاً وأَنكم إلَينَا لا ترجَعون}. وحدثني أنه قرأها مرة في أذن المصروع، فقالت الروح: نعم، ومد بها صوته. قال: فأخذت له عصا، وضربته بها في عروق عنقه حتى كَلت يداي من الضرب، ولم يَشك الحاضرون أنه يموت لذلك الضرب. ففي أثناء الضرب قالت: أنا أحبّه، فقلت لها: هو لا يحبك، قالت: أنا أريد أن أحج به، فقلت لها: هو لا يريد أن يَحج معك، فقالت: أنا أدعه كرامةً لك، قال: قلت: لا ولكن طاعة لله ولرسوله، قالت: فأنا أخرج منه، قال: فقعد المصروع يلتفت يميناً وشمالاً، وقال: ما جاء بـي إلى حضرة الشيخ، قالوا له: وهذا الضرب كلّه؟ فقال: وعلى أي شيء يضربني الشيخ ولم أذنب، ولم يشعر بأنه وقع به ضرب ألبتة. وكان يعالج بآية الكرسي، وكان يأمر بكثرة قراءتها المصروع ومن يعالجه بها، وبقراءة المعوذتين. وبالجملة فهذا النوع من الصرع، وعلاجه لا ينكره إلا قليل الحظ من العلم والعقل والمعرفة، وأكثر تسلط الأرواح الخبـيثة على أهله تكون من جهة قلة دينهم، وخراب قلوبهم وألسنتهم من حقائق الذكر، والتعاويذ، والتحصّنات النبوية والإيمانية، فَتَلقَى الروح الخبـيثة الرجلَ أعزلَ لا سلاح معه، وربما كان عرياناً فيؤثر فيه هذا. ولو كشفَ الغطاء، لرأيت أكثر النفوس البشرية صرعى هٰذه الأرواح الخبـيثة، وهي في أسرها وقبضتها تسوقها حيث شاءت، ولا يمكنها الامتناع عنها ولا مخالفتها، وبها الصرع الأعظم الذي لا يفيق صاحبه إلا عند المفارقة والمعاينة، فهناك يتحقق أنه كان هو المصروعَ حقيقة، وبالله المستعان. وعلاج هذا الصرع باقتران العقل الصحيح إلى الإيمان بما جاءت به الرسل، وأن تكون الجنة والنار نصبَ عينيه وقبلة قلبه، ويستحضر أهل الدنيا، وحلول المَثلاث والآفات بهم، ووقوعَها خلال ديارهم كمواقع القطر، وهم صَرعى لا يفيقون، وما أشد داءَ هذا الصرع، ولكن لما عمت البلية به بحيث لا يرى إلا مصروعاً، لم يصر مستغرباً ولا مستنكراً، بل صار لكثرة المصروعين عينَ المستنكَر المستغرَب خلافه. فإذا أراد الله بعبد خيراً أفاق من هٰذه الصرعة، ونظر إلى أبناء الدنيا مصروعين حوله يميناً وشمالاً على اختلاف طبقاتهم، فمنهم من أطبق به الجنون، ومنهم من يفيق أحياناً قليلة، ويعود إلى جنونه، ومنهم من يفيق مرةً، ويجن أخرى، فإذا أفاق عمل عمل أهل الإفاقة والعقل، ثم يعاوده الصرع فيقع في التخبط. يتبع |
|
20-09-2011, 02:12 AM | #8 |
عضو مجلس اداره سابق
|
فصـل: وأما صرع الأخلاط، فهو علة تمنع الأعضاء النفسية عن الأفعال والحركة والانتصاب منعاً غير تام، وسببه خلط غليظ لزج يسد منافذ بطون الدماغ سدة غيرَ تامة، فيمتنع نفوذ الحس والحركة فيه وفي الأعضاء نفوذاً تاماً من غير انقطاع بالكلية، وقد تكون لأسباب أخر كريح غليظ يحتبس في منافذ الروح،
أو بخار رديء يرتفع من بعض الأعضاء، أو كيفية لاذعة، فينقبض الدماغ لدفع المؤذي، فيتبعه تشنّجٌ في جميع الأعضاء، ولا يمكن أن يبقى الإنسان معه منتصباً، بل يسقط، ويظهر في فيه الزبد غالباً. وهذه العلة تعد من جملة الأمراض الحادة باعتبار وقت وجوده المؤلم خاصة، وقد تعد من جملة الأمراض المزمنة باعتبار طول مكثها، وعسر برئها، لا سيما إن تجاوز في السن خمساً وعشرين سنة، وهذه العلة في دماغه، وخاصةً في جوهره، فإن صرع هٰؤلاء يكون لازماً. قال أبقراط. إن الصرع يبقى في هؤلاء حتى يموتوا. إذا عرف هذا، فهذه المرأة التي جاء الحديث أنها كانت تصرع وتتكشف، يجوز أن يكون صرعها من هذا النوع، فوعدها النبـي الجنة بصبرها على هذا المرض، ودعا لها أن لا تتكشف، وخيرها بـين الصبر والجنة، وبـين الدعاء لها بالشفاء من غير ضمان، فاختارت الصبر والجنة. وفي ذلك دليل على جواز ترك المعالجة والتداوي، وأن علاج الأرواح بالدعوات والتوجه إلى الله يفعل ما لا يناله علاج الأطباء، وأن تأثيره وفعله، وتأثر الطبـيعة عنه وانفعالها أعظم من تأثير الأدوية البدنية، وانفعال الطبـيعة عنها، وقد جربنا هذا مراراً نحن وغيرنا، وعقلاء الأطباء معترفون بأن لفعل القوى النفسية، وانفعالاتها في شفاء الأمراض عجائب، وما على الصناعة الطبـية أضرّ من زنادقة القوم، وسفلتهم وجهالهم. والظاهر؛ أن صرع هذه المرأة كان من هذا النوع، ويجوز أن يكونَ من جهة الأرواح، ويكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خيرها بـين الصبر على ذٰلك مع الجنة، وبـين الدعاء لها بالشفاء، فاختارت الصبر والستر، والله أعلم. زاد المعاد فصل في العلاج النبوي للعين : والمقصودُ: العلاجُ النبوي لهذا العلة، وهو أنواعٌ، وقد روى أبو داود في «سننه» عن سهل بن حنيفٍ، قال: مررنا بسيل، فدخلتُ، فاغتسلت فيه، فخرجتُ محموماً، فَنُميَ ذلك إلى رسول الله ، فقال: «مُرُوا أَبَا ثَابتٍ يَتَعَوذُ»، قال: فقلتُ: يا سيدي والرقى صالحة؟ فقال: «لا رُقيَةَ إلا في نَفسٍ، أو حُمَةٍ أَو لَدغَةٍ». والنفس: العين، يقال: أصابت فلاناً نفس، أي: عين، والنافس: العائن. واللدغة (بدال مهملة وغين معجمة) وهي ضربةُ العقرب ونحوها. فمن التعوذات والرقى الإكثارُ من قراءَة المعوذَتين، وفاتحة الكتاب، وآية الكُرسي، ومنها التعوذاتُ النبوية. نحو: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق. ونحو: أعوذ بكلمَات الله التامة من كل شيطان وهَامةٍ، ومن كُل عينٍ لامةٍ. ونحو: أعوذُ بكَلمَات الله التامات التي لا يُجاوزُهُن بَرٌّ ولا فاجرٌ، من شر ما خلق وذَرَأ وبرأ، ومن شر ما ينزلُ من السماء، وَمن شر ما يَعرُجُ فيها، ومن شر ما ذرأ في الأرض، ومن شر ما يخرُج منها، ومن شر فتن الليل، والنهار، ومن شر طوارق الليل إلا طارقاً يطرُق بخير يا رحمٰن. ومنها: أعوذُ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه، ومن شر عباده، ومن همزَات الشياطين، وأن يحضُرون. ومنها: اللهم إني أعوذُ بوجهك الكريم، وكلماتك التامات من شر ما أنتَ آخذٌ بناصيته، اللهم أنتَ المأثم والمغرمَ، اللهم إنه لا يُهزَمُ جُندُكَ، ولا يُخلَفُ وعدُك، سبحانك وبحمدك. ومنها: أَعوذُ بوجه الله العظيم الذي لا شيءَ أعظمُ منه، وبكلماته التامات التي لا يُجاوزُهن بَرٌّ ولا فاجر، وأسماءَ الله الحسنى، ما علمتُ منها وما لم أعلم، من شر ما خلق وذَرأ وبرأ، ومن شر كل ذي شر لا أُطيق شره، ومن شر كُل ذي شر أنتَ آخذٌ بناصيته، إن ربـي على صراط مستقيم. ومنها: اللهم أنت ربـي لا إلٰه إلا أنتَ، عليك توكلتُ، وأنتَ ربُّ العرش العظيم، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يَكُن، لا حولَ ولا قوة إلا بالله، أعلم أن اللهَ على كُل شيء قدير، وأن الله قد أَحاطَ بكل شيء علماً. وأحصَى كُل شيء عدداً، اللهم إني أعوذُ بك من شر نفسي، وشر الشيطان وشركه، ومن شر كُل دابة أنت آخذٌ بناصيتها، إن ربـي على صراط مستقيم. وإن شاء قال: تحصنتُ بالله الذي لا إلٰه إلا هُوَ، إلٰهي وإلٰه كل شيء، واعتصمتُ بربـي ورب كُل شيء، وتوكلتُ على الحي الذي لا يموتُ، واستدفعت الشر بلا حول ولا قوة إلا بالله، حسبـي الله ونعمَ الوكيلُ، حسبـيَ الربُّ من العباد، حسبـيَ الخالقُ من المخلوق، حسبـيَ الرازقُ من المرزوق، حسبـيَ الذي هو حسبـي، حسبـيَ الذي بـيده ملكوتُ كُل شيء، وهو يُجبرُ ولا يُجارُ عليه، حسبـيَ اللهُ وكَفَى، سَمعَ الله لمن دعا، ليس وَرَاءَ الله مرمى، حسبـيَ الله لا إلٰه إلا هُوَ، عليه توكلت، وهُوَ ربُّ العرش العظيم. ومن جرب هذه الدعوات العُوَذَ، عَرَفَ مقدار منفعتها، وشدةَ الحاجة إليها، وهي تمنعُ وصولَ أثر العائن، وتدفعهُ بعد وصوله بحسب قوة إيمان قائلها، وقوة نفسه، واستعداده، وقوة توكله وثبات قلبه، فإنها سلاح، والسلاح بضاربه. زاد المعاد فصل في ما يفعله العائن : وإذا كان العائنُ يخشى ضررَ عينه وإصابتها للمعين، فليدفع شرها بقوله: اللهُم بَارك عليه، كما قال النبـي لعامر بن ربـيعة لما عان سهل ابنَ حُنيف: «ألا بركت» أي: قلتَ: اللهُم بارك عليه. ومما يدفع به إصابةَ العين قولُ: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، روى هشامُ بن عُروة، عن أبـيه، أنه كان إذا رأى شيئاً يَعجبُه، أو دخل حائطاً من حيطانه، قال: ما شاء الله، لا قُوةَ إلا بالله. ومنها: رُقية جبريل عليه السلامُ للنبـي التي رواها مسلم في «صحيحه» «باسم الله أَرقيكَ، من كُل شَيءٍ يُؤذيكَ، من شَر كُل نَفسٍ أَو عَين حَاسدٍ الله يَشفيكَ، باسم الله أرقيكَ». ورأى جماعة من السلف أن تُكتب له الآياتُ من القرآن، ثم يشربَها. قال مجاهد: لاَ بأس أن يكتُبَ القرآنَ، ويغسلَه، ويَسقيَه المريضَ، ومثلُه عن أبـي قلابة. ويُذكر عن ابن عباس: أنه أمر أن يُكتب لامرأة تعَسرَ عليها ولادُها أثرٌ من القرآن، ثم يُغسل وتُسقى. وقال أيوب: رأيتُ أبا قلابة كتب كتاباً من القرآن، ثم غسله بماء، وسقاه رجلاً كان به وجع. زاد المعاد |
التعديل الأخير تم بواسطة المشتاق الى الجنة ; 20-09-2011 الساعة 02:14 AM
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|