المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.

 


 
العودة   نفساني > المنتديات الإسلامية > الملتقى الإسلامي
 

الملتقى الإسلامي قال تعالى : (( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ))

نعيم الدنيا محدود بقدرات البشر لكن نعيم الآخرة يكون على قدر المنعم

نعيم الدنيا محدود بقدرات البشر لكن نعيم الآخرة يكون على قدر المنعم للشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله بسم الله الرحمن الرحيم.. والحمد لله رب العالمين.. والصلاة والسلام على

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 19-02-2015, 03:26 PM   #1
ازهرى وراقى
مشرف ملتقى الرقية الشرعية


الصورة الرمزية ازهرى وراقى
ازهرى وراقى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 36778
 تاريخ التسجيل :  12 2011
 أخر زيارة : 23-02-2022 (04:21 PM)
 المشاركات : 6,240 [ + ]
 التقييم :  66
لوني المفضل : Cadetblue
نعيم الدنيا محدود بقدرات البشر لكن نعيم الآخرة يكون على قدر المنعم



نعيم الدنيا محدود بقدرات البشر لكن نعيم الآخرة يكون على قدر المنعم
egtmaa.com1282690064
للشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله
بسم الله الرحمن الرحيم.. والحمد لله رب العالمين.. والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. الحمد لله كما علمنا أن نحمد وصلى الله وسلم على رحمته وخاتم رسله سيدنا محمد.
توقفنا فى الحلقة السابقة من خواطرنا عند قوله تعالى : (كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (القلم: 33 – 34).
فبمثل هذا العذاب الذى لحق بأصحاب البستان الذين عزموا على منع حق الفقراء فإننا سنعذب هذا الذى قال إن القرآن ما هو إلا أساطير الأولين، فالله قد أذهب بستانهم وأهلك أشجارهم وثمارهم فلا تظنوا أن أموالكم وبنينكم سيغنون عنكم من الله شيئاً.
فإنا لم نعطكم وننعم عليكم بالمال والبنين إلا لنختبركم ونبتليكم ونمتحنكم ولا تعتقدوا أن نزول العذاب بكم فى الدنيا سيعفيكم من عذاب الآخرة، وهو عذاب أكبر من عذاب الدنيا لو كنتم تعلمون.
أما المتقون فلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار وهى جنات النعيم، فلا تتعلقوا بجنات الدنيا وبساتينها فعند الله جنات كلها نعيم تتنعمون فيها. والمتقون هم الذين يخافون الله وتثمر فيهم الموعظة والعبرة وتتقى مشكلات الحياة بأن تلتزم منهج الله.
وأجر المتقين إنما هو عند ربهم لا عند البشر ولذلك لا تخشى أن لا يوفى الله بوعده بإيصال ثواب تقواك إليك بأن تعيش حياة طيبة فى الدنيا، وفى الآخرة يثيبك الله بجنات النعيم خالداً فيها، ففيها كل مقومات الحياة من غذاء وفاكهة وماء وخضرة وكل ما تشتهى الأنفس.
ويقول الحق سبحانه : (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (القلم: 34) ومن المهم أن نعلم أن صاحب الجنة عالية المنزلة لن يتلقى حسداً من صاحب الجنة متوسطة المنزلة، وصاحب الجنة الدنيا لن يحسد مَنْ هو أعلى منه وكذلك لن يزهو صاحب الجنة عالية المنزلة على غيره.
وكل واحد منهم يفرح بمكانة الآخر، مثلما يحدث أحياناً فى الدنيا حين يتفوق إنسان فى دراسته فقد نجد مَنْ هو أقل منه درجة يفرح له بصفاء نفسى وكذلك لا يزهو متفوق بمكانته على الأدنى منه وإذا كان ذلك هو ما يحدث فى الدنيا فما بالنا بالآخرة؟
حيث يقول الحق سبحانه : (ونزعنا ما فى صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين) (الحجر: 47) أى أن كلاً من أهل الجنة يفرح بمنزلته ويفرح بمنزلة الأعلى منه لأنه سينال من فيوضات الخير التى عند الأعلى منزلة عندما يأتى لزيارته.
والحق سبحانه يقول: (ولمن خاف مقام ربه جنتان) (الرحمن: 46) فكل مَنْ علت منزلته فى الجنة له جنة خاصة به وجنة أخرى ليتكرم بها على مَنْ هم دونه وكأنها مضيفة لمن يحبهم.
إذن ففى الآخرة يفرح أهل الجنة بمن هم أعلى منهم لأنهم سينالون منهم خيراً.
وأهل الجنة لا يعرفون الحقد والحسد ولا الغلّ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه وهم جالسون معه ذات يوم : »يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة« ودخل رجل وعرفه الصحابة فأرادوا أن يعرفوا ماذا يعمله هذا الصحابى حتى يستحق بشارة رسول الله بالجنة.
قالوا له: ونحن نريد أن نعرف ماذا نفعل لنكون معك. فقال الرجل: إنى لأصلى كما تصلون وأصوم كما تصومون وأزكى كما تزكون ولكنى أبيت وليس فى قلبى غلّ لأحد.
فذهبوا إلى رسول الله وقالوا له: لقد قال الرجل كذا وكذا، فقال صلى الله عليه وسلم: »وهل فضلت الجنة على الدنيا إلا بهذا«.
يقول الحق سبحانه: »إن المتقين فى جنات وعيون أدخلوها بسلام آمنين. ونزعنا ما فى صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين« (الحجر: 45 – 47).
ولنعلم أن الحق سبحانه لم يخلق للمتقين جنات تكفيهم وحدهم، أو يخلق للكفار ناراً تكفيهم وحدهم، بل خلق لكل واحد من خلقه إلى أن تقوم الساعة جنة ولكل واحد من خلقه إلى أن تقوم الساعة ناراً.
فإذا دخل أهل الجنة الجنة بقيت الجنات التى خلقت ولم يدخلها أحد، لأن أصحابها من أهل النار، فيورثها الحق سبحانه للمؤمنين من أصحاب الجنة مصداقاً لقوله تعالي: »وتلك الجنة التى أورثتموها بما كنتم تعملون« (الزخرف: 72).
أما نعيم هذه الجنات فالاستجابة لمنهج الله تعطيك الحياة العالية فى الآخرة وتمتعك بنعيم الله ليس بقدرات البشر كما يحدث فى الدنيا ولكن بقدرة الله تبارك وتعالى.
وإذا كانت نعم الدنيا لا تعد ولا تحصى فكيف بنعم الآخرة؟
لقد قال الله سبحانه عنها: (لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد) (ق: 35) أى أنه ليس كل ما تطلب فيه فقط ستجده أمامك بمجرد وروده على خاطرك ولكن مهما طلبت من النعم ومهما تمنيت فالله جل جلاله عنده المزيد.
ولذلك فإنه يعطيك كل ما تشاء ويزيد عليه بما لم تطلب ولا تعرف من النعيم فالنعيم فى الدنيا على قدر قدرات البشر أما النعيم فى الآخرة فهو على قدر قدرات الله سبحانه.
والذى يقربك ويجعلك مستحقاً لنعيم الله فى الآخرة هو فعل الخير والالتزام بمنهج الله وقد يكون فعل الخير متعباً للجسد والنفس ولكن النهاية متاع أبدى فى جنة الخلد.
فالخير هو ما ليس بعده بعد، فأنت تولد ثم تكبر ثم تتخرج فى الجامعة ثم تصبح فى أعلى المناصب ثم تموت ثم تبعث ثم تدخل الجنة وبعدها لا شىء إلا الخلود فى النعيم.
ثم يقول الحق سبحانه: (أفنجعل المسلمين كالمجرمين. مالكم كيف تحكمون) (القلم: 35 ، 36) يعطينا الحق سبحانه هنا استفهاماً استنكارياً فيقول تعالي: (أفنعجل المسلمين كالمجرمين) (القلم: 35) وإجابة الاستفهام معروفة أنهم لا يستوون فليس المسلمون كالمجرمين.
كيف يستوى هؤلاء من أسلم نفسه لله واتبع منهجه وآمن بربه وبشرعه مع مَنْ خرج على منهج الله ورفض اتباعه وعصى وأبى، لا يستوون.
والحق سبحانه يعطينا أمثلة كثيرة على عدم التساوى فالتساوى أحياناً يكون ظلماً والله سبحانه مُنزّه عن الظلم.
فيقول تعالى (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (النحل: 75).
فالحق سبحانه يعطينا طرفين فى المثل المضروب ويترك لنا السياق القرآنى للحكم بينهما، وكأن الحق سبحانه يقول: أنا أرتضى حكمكم أنتم: هل يستوون؟
والحق سبحانه لايترك لنا الجواب إلا إذا كان الجواب سيأتى على وفق ما يريد ولا جواب يعقل لهذا السؤال إلا أن نقول: لا يستوون. وكأن الحق سبحانه جعلنا ننطق نحن بهذا الحكم.
وقد يسأل سائل هنا: الحق سبحانه يضرب المثل هنا بطرفين: أى بمثنى فلماذا قال (هل يستوون) (النحل: 75) بصيغة الجمع ولم يقل: هل يستويان؟
نقول: المثل وإن ضرب بمفرد مقابل مفرد إلا أنه ينطبق على عديدين مفرد شائع فى عديد من المملوكين، وشائع أيضا فى العديد من السادة أصحاب الرزق الحسن ذلك ليعمم ضرب المثل.
وفى آية أخرى يقول الحق سبحانه» (أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون) (السجدة: 18).
فـ (مؤمناً) و(فاسقاً) جاءت بصيغة المفرد ومع ذلك لم يقل الحق سبحانه لا يستويان بالمثني. بل قال (لا يستوون) بالجمع، فالحق سبحانه لا يتكلم عن المفرد إنما عن الجمع أو أنها قيلت رداً لحالة مخصوصة بين مؤمن وكافر، وأراد الحق سبحانه أن يعطيها العموم لا خصوص السبب.
فراعى السياق خصوص السبب فى مؤمن وكافر، وراعى عموم الموضوع فقال (لا يستوون) (السجدة: 18) وكما لا يستوى المؤمن والفاسق ولا يستوى العبد المملوك الذى لا يقدر على شىء مع من يملك أمر نفسه ورزقناه رزقاً حسناً فهو ينفق منه سراً وجهراً.
وهكذا لا يستوى المسلم والمجرم، ونلحظ أن الحق سبحانه جعل المجرم فى مقابلة المسلم، وجعل المؤمن فى مقابلة الفاسق، فالمؤمن من آمن قلبه واستقر الإيمان فى قلبه ولذلك تجد أن الفاسق الذى فسقت جوارحه عن منهج الله عنده خلل فى معتقده القلبى لذلك فهو نقيض للمؤمن.
أما المسلم فقد قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: »المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده« فالإسلام يتعلق بجوارح الإنسان ومنها لسانه ويده فلا يؤذى أحداً بلسانه بنميمة أو غيبة أو سب أو قذف أو بظلم أو إعانة ظالم.
وكذا لا يؤذى أحداً بضرب أو قتل أو رشوة أو إعانة لظالم، فإيذاء الآخرين باليد أو اللسان هى فى الحقيقة جرائم يعاقب على البعض منها بحدود حدّها الله أو بتعزيرات يفرضها الحاكم أو القاضى.
والحق سبحانه يقول: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) (الكهف: 49).
فهؤلاء أجرموا جرائم سطرتها عليهم الملائكة فى صحف وكتب خاصة بهم، كلّ له كتابه الذى سيقرؤه بنفسه، وقد ظنوا أن لا شىء سيحصى عليهم أو أنهم لن يعاقبوا، وذلك لأن هناك خللاً فى معتقدهم الإيمانى فى وجود الآخرة واليوم الآخر يوم الحساب.
فهؤلاء المجرمون يتحكمون فى مصائر الناس ويفسدون فى الأرض ولا يقدر أحد أن يقف فى مواجهتهم ولكن يجب أن يتأكدوا من وعيد الله لهم فهو سبحانه القائل: (سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون) (الأنعام: 124).
والمقابلون للمجرمين هم المؤمنون، فإذا استبنت سبيل المجرمين أو إذا استبان لك سبيل المجرمين ألا تعرف المقابل وهو سبيل المؤمنين؟
فإذا كان الحق سبحانه بيّن سبيل المجرمين لعناً وطرداً فسبيل المؤمنين يختلف عن ذلك إنه الرحمة والتكريم أما المجرمون فقد قال الحق سبحانه عنهم: (ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين) (الأنعام: 147) فلن يرد ويمنع بأسه وعذابه عن القوم المجرمين منكم.
والمجرمون أيضا هم المكذبون بآيات الله، قال تعالي: (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِى سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِى الْمُجْرِمِينَ) (الأعراف: 40) وهم يستحقون هذا الجزاء بما أجرموا.
فهم لن يدخلوا الجنة وعلى ذلك فقد سلب منهم نفعاً ولا يتوقف الأمر عند ذلك ولكنهم يدخلون النار. إذن فهنا أمران سلب المنافع وهو دخولهم الجنة إنه سبحانه حرمهم ومنعهم ذلك النعيم وذلك جزاء إجرامهم وبعد ذلك كان إدخالهم النار وهذا جزاء آخر.
فقال تعالي: (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِى الظَّالِمِين) (الأعراف: 41).
فكأن الإجرام كان سبباً فى ألا يدخلوا الجنة والظلم كان سبباً فى أن يكون فوقهم غواش لهم من جهنم مهاد وهم فى النار يحيطهم سرادقها.
فالظلم مرتبط بالإجرام وقد يكون الظلم إجراماً قال تعالي: (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِى الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) (يونس: 13).
والمجرم من ارتكاب ذنباً وقد يكون هذا الذنب ذنب القمة وهو الكفر بالله وهذا ما عناه الحق سبحانه بقوله : (وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِى الأَصْفَاد) (إبراهيم: 49).
فترى المجرمين جميعاً مجموعين بعضهم مع بعض فى قرن، وهو الحبل أو القيد الذى يقيدون به، والأصفاد جمع صفد وهو القيد الذى يوضع فى الرجل وهو مثل الخلخال.
وهناك من يقيدون فى الأصفاد أى من أرجلهم، وهناك من يقيد بالأغلال أى توضع أيديهم فى سلاسل وتعلق تلك السلاسل فى رقابهم أيضا.
وكل أصحاب جريمة معينة يجمعهم رباط واحد ذلك أن أهل كل جريمة تجمعهم أثناء الحياة الدنيا مودة وتعاطف.
والمجرم هو المنقطع عن الحق، والجريمة هى الإنقطاع عن الحق لانتصار الباطل، والمجرمون يكونون مميزين عند الحشر بزرقة وجوههم، قال تعالي: (ونحشر المجرمين يومئذ زرقاً) (طه: 102).
أى نجمعهم ونسوقهم زرقا، والزرقة هى لونهم كما ترى شخصاً احتقن وجهه وازرق لونه بسبب شىء تعرض له والبعض يفسر (زرقاً) (طه: 102) أى عميا ومن الزرقة ما ينشأ عنها العمى ومنها المياه الزرقاء التى تصيب العين وقد تسبب العمى.
ومعلوم أن زرقة الجسم لا تأتى إلا نتيجة ضربات شديدة وكدمات تحدث تفاعلات ضارة تحت الجلد فتسبب زرقته وكذلك زرقة العين.
ويستخدم اللون الأزرق للتبشيع والتخويف وقد كانوا فى العصور الوسطى يطلون وجوه الجنود باللون الأزرق لإخافة الأعداء وإرهابهم وتعارف الناس أنه لون الشيطان.
ومن علاماتهم يوم القيامة أيضاً أنكم ترونهم تاكسى رؤوسهم يقول تعالي: (وَلَوْ تَرَى إِذْ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ) (السجدة: 12).
وتنكيس رءوس المجرمين فيه إشارة إلى أن هذه هى العاقبة فاحذر المخالفة فمن تكبر وتغطرس فى الدنيا نكست رأسه فى الآخرة.
وفى تنكيس رءوس المجرمين يوم القيامة معنى آخر فالحق سبحانه سيفعل فى كل مخالف فى الآخرة من جنس ما فعل فى الدنيا وهؤلاء الذين نكس الله رؤوسهم فى الآخرة فعلوا ذلك فى الدنيا.
وكثير من المجرمين يرتكبون جرائمهم فى غفلة من القانون أو يعمون على العدالة ويهربون من العقاب ويفلتون من القوانين الوضعية فى الدنيا ولو تركنا هؤلاء بلا عقاب أيضا فى الآخرة فهم إذن الفائزون وسوف نشجع بذلك كل منحرف خارج عن القانون.
أما إن علم أن له رباً قيوماً عليه وإن عمى على قضاء الأرض فلن يعمى على قضاء السماء، وإن أفلت من عقاب الدنيا فلن يفلت أبداً من عقاب الآخرة، إن علم ذلك استقام.
فالمجرم الذى يعيش بيننا أليس معلوماً لأهل المنزل الذى يعيش فيه بل لأهل الحى والشارع؟ فهل ذهب واحد منهم إلى تاجر فقال له: أعطنى كذا فقال: لا ليس عندى وقاطعه؟ هل سلّم واحد منهم على شخص فلم يرد عليه السلام؟
إذن المجتمع كله يتحمل هذه المسئولية فالمجتمع نفسه مجرم أكثر من المجرمين.
وما استشرى الإجرام إلا حين خاف الناس من المجرمين وتملقوهم وتوددوا إليهم ربما اتقاء لشرهم، ولم لا يزداد المجرم فى إجرامه والأمر كذلك؟
لذلك جعل الشارع الحكيم الدية فى القتل الخطأ ليست على القاتل وحده إنما على العائلة أى على جميع العائلة لأنها المنوط بها تقويم أبنائها والأخذ على أيدى المنحرفين منهم، لأنها هى التى ستتحمل العاقبة، وبذلك يحدث التوازن فى المجتمع.
والحق سبحانه يستنكر عليهم أن يساووا المسلمين بالمجرمين قال تعالي: (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ) (القلم: 35) استفهام استنكاري (مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (القلم: 36).
وفى موضع آخر يقول تعالي: (أَاصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (الصافات: 153 ، 154).
ولكن فى آية أخرى يقول: (فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (يونس 35) والمعنى فى الجميع: ماذا أصاب عقولكم لتحكموا هذا الحكم وساعة تسمع (كيف) فهى للاستفسار عن عملية عجيبة ما كان فى عرف العاقل أن تحدث.
وقوله سبحانه: (مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (القلم: 36) كأنه أمر عجيب ما كان يصح أن يحدث إذ كيف تسوّى بين المسلمين والمجرمين؟
ثم يقول الحق سبحانه: (أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ) (القلم: 37 ، 38).
كيف تحكمون بمساواة المسلمين والمجرمين (مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (القلم: 36) والحق سبحانه يناقشهم ليكشف لهم أنهم إنما يحكمون بمجرد الأهواء وليس بناء على مقدمات صحيحة.
لذلك يسألهم الحق سبحانه: (أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (القلم : 37) هل حكمتم بهذا لأن عندكم كتاباً قرأتم فيه هذا، وفى أى كتاب هذا؟ أن يتساوى المجرم مع المسلم ويتساوى الصالح مع الطالح والمفسد مع المصلح؟
فهل لكم كتاب نزل من عند الله أتاكم به رسول من رسله قرأتم فيه أو درستم فيه أن المسلمين والمجرمين سواء؟ ألكم كتاب تقرأون فيه هذا الجور؟
وقد كان صناديد قريش يرون أن حظهم من الدنيا وافر، وأن المسلمين حظهم من الدنيا قليل حتى إذا سمعوا بحديث الآخرة وما وعد الله المسلمين قالوا: إن صح أننا نبعث كما يزعم محمد ومن معه لم تكن حالهم وحالنا إلا مثل ما هى فى الدنيا، وإلا لم يزيدوا علينا ولم يفضلونا، وأقصى أمرهم أن يساوونا.
فكان قول الحق سبحانه: (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ) (القلم: 35 – 37).
كيف نسوى بين الكافرين والمؤمنين؟ كيف تظون أن الله ظالم فالله أعدل من أن يجعل المسلمين كالمجرمين.
والحق سبحانه يقول: (وَمَا يَسْتَوِى الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ وَمَا يَسْتَوِى الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ) (فاطر: 19 ، 22).
والحق سبحانه يخاطب رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم قائلاً: (قُلْ لا يَسْتَوِى الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِى الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة : 100).
فالخبيث لا يستوى أبداً مع الطيب وهذه قضية كونية مثلها تماما مثل عدم تساوى الأعمى والبصير وعدم استواء الظلمات والنور.
وساعة يأتى الحق سبحانه بقضية يستخدمها كمثل فلابد أن يأتى بقضية متفق عليها حتى من الخصوم المواجهين له فهم يعرفون أن الأعمى لا يستوى مع البصير، تماما مثلما لا يستوى الظل والحرور أو الظلمات والنور.
وعدم التسوية هذه موجودة فى آيات كثيرة منها : (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِى بِهِ فِى النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِى الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام: 122).
وهذا تساؤل جوابه: لا أى ليس كل منهما مساوياً للآخر والفطرة تقول هنا: لا.
والإسلام قائم على العدل وإنزال كلّ منزلته التى يستحقها ومن ذلك عدم المساواة بين القاعدين عن الجهاد من المؤمنين غير أولى الضرر وبين المجاهدين فى سبيل الله بأموالهم وأنفسهم.
كيف نسوى بينهم لذلك قال الحق سبحانه: ( لا يَسْتَوِى الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِى الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِم) (النساء: 95).
وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا بن ثابت كاتب الوحى بعد أن نزل عليه الوحى وسرّى عنه: اكتب: ( لا يَسْتَوِى الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِى الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ): (النساء : 95).
وإلى لقاء آخر إن شاء الله..

عن اللواء الاسلامي المصرية
المصدر: نفساني



 
التعديل الأخير تم بواسطة ازهرى وراقى ; 19-02-2015 الساعة 03:30 PM

رد مع اقتباس
قديم 25-02-2015, 09:32 AM   #2
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


بارك الله فيكم يا شيخ


 

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:02 AM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.
المواضيع المكتوبة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع رسميا